الأنباط -
الأنباط -عند إبداء الرأي أو التعلیق على قضایا محلیة، قد یلجأ البعض إلى تجمیل الصورة، أو الحدیث
بطریقة دبلوماسیة تھدف إلى التخفیف من وطأة الواقع إن كان غیر سار، أو بطریقة تشحذ الھمم.
لكن في بعض التفاصیل یجب أن یكون الكلام مؤلما وموجعا، وأن لا یحتمل الوسطیة والمجاملة
التي قد تخرجھ عن المغزى الذي ینطلق منھ.
نعي تماما أن فقدان تسعة من كوادرنا الطبیة جراء إصابتھم بفیروس كورونا، مدعاة لأن نقف
طویلا أمام ھذه الخسارة الفادحة، وأن نترك خلفنا التنظیر الفارغ، وأسالیب النصح والإرشاد التي
بتنا نسمعھا كما لو أنھا ”كلاشیھات" بلا روح ولا ھدف حقیقي، كأنما وظیفتھ الأساسیة أن تخرج
للعلن فحسب، لتصم آذاننا طیلة الفترة الماضیة، حتى بتنا نستمع إلى ألحان من الجنة، وأقدامنا
تحرقھا النار.
أمام ھول ما یجري، والتفاعل والتعاطف الكبیرین والطبیعیین من الشارع الأردني مع كوكبة
الأطباء الشھداء التي استسلمت للموت رغما عنھا، ننتظر من وزارة الصحة أولا، والحكومة من
فوقھا أن تجد حلولا جذریة للخطر الذي یحدق بالكوادر الطبیة والصحیة ممن یحتلون مواقع متقدمة
في ساحة القتال ضد كورونا. من حق ھؤلاء أن یعودوا في نھایة اللیل إلى منازلھم آمنین مطمئنین،
وأن یحتضنوا أطفالھم وھم بلا خوف ولا رھبة.
قبل أیام لم یتردد مدیر إدارة مستشفیات البشیر من رفع إشارة الخطر وھو یتحدث عن الحالة التي
یعیشھا القطاع الصحي الیوم، وذلك في أعقاب انتشار صور تظھر مرضى یفترشون الأرض في
أروقة مستشفى الطوارئ. كانت الصور صادمة، فالحشد كبیر، ولا أحد یعلم من منھم مصاب
بالفیروس، أو من منھم یعاني من أمراض أخرى. أما الأطباء، ورغم الاحتیاطات المطلوبة، فقد
كانوا یتجولون بینھم في محاولة لمساعدتھم. لكن الصورة ربما لم تترك أثرا یذكر سوى بالتأكید
على ضرورة توسعة الطاقة الاستیعابیة في المستشفیات.
من قبلھ كان مدیر مستشفى الملك المؤسس، الدكتور محمد الغزو، یؤكد أن الأطباء استلموا نصف
رواتبھم فقط منذ شھر حزیران الماضي، ولم ینس أن یوضح أن الوضع المادي للمستشفى سیئ،
وأن ھناك أولویات تتقدم على دفع كامل الرواتب، كتوفیر أجھزة وقایة وتعقیم وكمامات وقفازات.
ویضیف بتحسر ”بطلوع الروح حتى نستطیع تأمین الرواتب آخر الشھر".
أما یوم أمس، فلم یتوان مدیر مستشفى الجامعة الأردنیة الدكتور إسلام مساد عن التعبیر عن سخطھ
بعد وفاة العدید من الأطباء في مواجھة جائحة كورونا. مساد كشف أنھ تقدم للجھات المعنیة قبل
10 أیام بمقترحات عدیدة لاقى بعضھا استحسانا، بینما جوبھ بعضھا بعدم الاقتناع. ”یجب أن لا
ننتظر أكثر.. حتى لا نندم حین لا ینفع الندم".
ثلاثة من مدراء المستشفیات الكبیرة عبروا عن المعاناة التي تعیشھا ھذه الصروح الطبیة،
وأوضحوا أیضا الحال التي یرزح تحت وطأتھ الطبیب الأردني الذي یعمل بأضعاف طاقتھ جراء
النقص الحاد في الكوادر الصحیة، دون أن یضع في حسبانھ الخطر الذي یحیط بھ، لأن لا خیار
أمامھ سوى تأدیة واجبھ.
ھذا الحدیث، سوف لن یكون في حاجة إلى أي شرح إضافي لكي نتبین الحال المزري الذي یعیشھ
الجیش الأبیض الیوم، بینما ھم یتقدمون الصفوف في مواجھة الوباء الخطیر، ویقدمون الشھداء في
ھذا المیدان. لا ندري كیف سنطلب منھم الاستمرار في تقدیم التضحیات، بینما نحن نبخل علیھم
بالقلیل!!
وفي الوقت الذي كان الجمیع ینتظر إجراء رسمیا، لم یتردد وزیر الصحة الدكتور نذیر عبیدات،
عن توجیھ رسالة إلى جمیع الكوادر الصحیّة من أطباء وممرضین وصیادلة ومھنیین وإداریین
وغیرھم ممن یعملون في المستشفیات، دعاھم فیھا إلى الحفاظ على أنفسھم. وقال ”سلامتكم من
ّ سلامة الوطن، وھي أولویتنا، نعلم مدى التحدیات التي تواجھون، ونقدر جھودكم، حافظوا على
أنفسكم لأن وطنكم بحاجة لكم".
حسنا، ماذا بعد ھذا الشكر، وھل ھذا كل ما یحتاجھ ھؤلاء الجنود؟! ربما یكون فھمنا قاصرا لدور
وزارة الصحة تجاه كوادرھا، وربما لیس في جعبتھا شيء لتقدمھ سوى الشكر وتمني السلامة
للجمیع. لننتظر ونترقب