يُخطئ من يظن أن مجلس الأعيان ينحصر دوره في المجال التشريعي؛ بل يخطئ أكثر من يعتقد أن الدور الرقابي للمجلس هو دور مجتزأ لا يصل إلى مرحلة حجب الثقة كما هو الحال في مجلس النواب، والحقيقة أن دور مجلس الأعيان في الجانب الرقابي هو فاعل ومؤثر ويؤدي أدواراً قد تكون ناجزة وفاعلة وذات أثر سياسي أكثر من ضوابط الأثر الدستوري الذي شرّع لمجلس النواب، والذي بموجبه خصه الدستور بصلاحية حجب االثقة عن الحكومة أو منحها وفق شرائط واردة في النصوص الدستورية في ضرورة توافر أغلبية المنح عند طلب الثقة من الحكومة واغلبية الحجب عند طلب طرح الثقة من عشرة نواب أو أكثر.
الدستور الأردني والنظام الداخلي مكّن مجلس الأعيان من حق السؤال والاستجواب والمناقشة العامة وربط الأثر السياسي للاستجواب في إعلام مجلس النواب ورئيس الحكومة. وفي كلتا الحالتين يتعاظم الأثر ويؤدي إلى نتائج أكثر تأثيراً من نتائج طرح الثقة؛ لأنه يحمل مجلس النواب والحكومة مسؤولية أخلاقية بضرورة اتخاذ إجراءات تعكس رؤى مجلس الملك الذي لا يخضع لضغوط شعبية أو سياسية، وإنما فقط لسلطان ضميره، وثقة جلالة الملك، ومسؤولياته الوطنية. وفي هذا أكثر من رسالة للحكومة ومجلس النواب بضرورة أخذ رأي مجلس الأعيان بعين الاعتبار في مضمون الاستجواب.
النظام الداخلي لمجلس الأعيان أوضح أحكام سؤال واستجواب الوزراء، وقرر في الثانية إعلام الحكومة ومجلس النواب، وبين أحكام المناقشة العامة وإعلام الحكومة عن نتائج تلك المناقشة، وفي هذا تأكيد على الإلزام المعنوي للحكومة الذي يفترض أن يؤخذ وفق قواعد المروءة السياسية التي توجب على الحكومة إعطاء الأولوية والاستعجال وبدون ذلك تفقد النصيحة الناضجة المجردة التي لا تهدف سوى تعزيز دور الحكومة في أداء مسؤولياتها الوطنية وفق أحكام الدستور وترسيخ قواعد الحكم الرشيد.
في ظني أن الدور الرقابي لمجلس الأعيان يمثل التزاماً بالدستور ونصرة للحكومة على أخطائها وانتصاراً لصوت العقل الذي قد يغيب أحياناً عندما يحتدم الجدل والخلاف بين الحكومة ومجلس النواب أو بدون ذلك، بل إن أدواراً أخرى لمجلس الأعيان يمكن أن تنهض بتعديلات تشريعية أو دستورية وبما يمكن الأداء العام من النهوض إلى مراتب التميز والعقلنة والرشاد بعيداً عن الضغوط والرغائب التي قد ترافق المشهد بين حينٍ وآخر، وقد تخلق حنقاً شعبياً في أوقات صعبة نحن في غنى عنها.
الدور الرقابي لمجلس الأعيان هو تبصير الحكومة على أخطائها وليس استحواذاً على دور مجلس النواب، ويجب أن لا يغضب هذا الدور أحداً لأنه يمثل عقلنة السلوك السياسي، وذروة الحرص الوطني. ولأن المشرع الدستوري كان مدركاً لهذا الدور جاءت الأحكام المتعلقة بهذا الدور وبما لا يخل بقواعد المسؤولية التي تقتضي أن لا يحاسب الفرد أو الجهة عن الفعل الواحد مرتين، والوطن الغالي الذي بني على أكتاف الشرفاء يستحق منا أن نفكر من أجله وأن نبحث عن سبل تطويره كي يعانق الألى.
وحمى الله وطننا الحبيب وشعبنا الطيب وقائدنا المفدى من كل سوء..!