الأنباط -
الأنباط -لم يكن ميزان القوى في حرب حزيران 67 متكافئ بعدما خذل العرب الاردن وتركوا جيشه يقاتل بدون غطاء جوي وجعلوا سلاح الجو الاسرائيلي يسيطر على سماء المعركة سيطرة كاملة، يقنص دروعنا ويفتك بجنودنا مما زاد في حجم خسائرنا البشرية والعسكرية، لا توجد إحصائية دقيقة موثقة عن اعداد ومصير المفقودين والشهداء الاردنيين في فلسطين ممن شاركوا في الحرب ولم تُعرف اماكن استشهادهم ولم يُعثر على جثامينهم او قبورهم، ولم تَعرف عائلاتهم عن مصيرهم شيئاً نظراً لصعوبة توثيق مجريات الحرب آنذاك، والحقيقة ان العديد من الجنود الأردنيين دُفنوا في اماكن استشهادهم من قبل الأهالي والصليب الأحمر والمؤسسات المحلية بدون الاحتفاظ بأية معلومات عنهم وهذا الموضوع بحاجة الى دراسة وبحث وتوثيق وعلينا ان نعترف بوجود تقصير في هذا الجانب رغم ان القوات المسلحة اوفدت عدة بعثات عسكرية للبحث والتقصي عنهم قامت بعشرات الزيارات الميدانية وثق ورصد فيها المؤرخ الدكتور بكر خازر المجالي معظم قبور الشهداء الاردنيين في فلسطين، وهكذا ما زال بين الحين والاخر تُكتشف قبور جنود اردنيين خلال الحفريات التي تجريها سلطات الاحتلال يتم التعرف على هويات بعضهم والغالبية يبقون جنود مجهولون يجري نقلهم ودفنهم في مقابر الشهداء في مراسم تليق بجزيل عطائهم ... يتابع الاردنيون على المستوى الرسمي والشعبي منذ ايام بإهتمام قيام اهالي بلدة بيتا الفلسطينية الواقعة جنوب نابلس بالتصدي لجرافات سلطة الاحتلال التي قامت باعمال التجريف في مكان وجود قبر لشهيد اردني استشهد في حرب 67 وإقتلاعها شجرة تين كانت تضلله لشق طريق استيطاني، هذا الجندي المجهول حسب رواية احد ابناء البلدة ويدعى رزق الله الاقطش (ابو امجد) وعمره 73 عام الذي شارك مع والده محمود في دفن الشهيد، انه كان اسيراً في قبضة جيش العدو عندما انزله الجنود من الجيب واطلقوا عليه الرصاص وتركوه ينزف ومنعوا كل من حاول الاقتراب منه لاسعافه، وبقي جثمانه مسجى على الارض في مكان استشهاده بسبب الخوف من ارهاب جيش العدو الذي ساد بعد الاحتلال حتى تمكن بعض ابناء البلدة بعد ان سمحت الظروف نسبياً من حفر قبر على جانب الطريق دفنوا فيه الشهيد الذي بقي جسده وملامحه كما هي لم تتحلل وتفوح من دمائه رائحة المسك رغم مرور عشرون يوماً على استشهاده وهو مسجى تحت اشعة وحرارة الشمس، وتم حفظ القبر بالباطون لتجنب نبشه وتخريبه من قبل جنود الإحتلال، في مكانين ليس ببعيدين عن البلدة يوجد قبرين آخرين لشهيدين اردنيين احدهما بالقرب من مستعمرة كفار تفوح (حاجز زعترة) بجوار مئذنة قائمة لبقايا مسجد معسكر سابق للجيش العربي كان للدكتور ماهر الريماوي وفريق من المتعاونين معه بالداخل دور كبير في الكشف عنها، وينسق ابناء البلدة حالياً مع السفارة الاردنية لنقل قبور الشهداء الثلاثة من مكانها الحالي الى مقبرة الشهداء بمراسم رسمية ومشاركة شعبية تليق بمكانة شهداء الجيش العربي وبتضحياتهم، وسيقام نصب تذكاري على قبورهم ليكون شاهداً على وحدة الدم والمصير، ودليل قاطع على ان الاردن لم يتخاذل يوما في الدفاع عن ارض وشعب فلسطين، يرقد على ثرى فلسطين اكثر من 260 شهيد عسكري اردني بعضهم معروف والبعض الآخر مجهول وعلينا ان نعترف بعظيم تقدير الاهل في فلسطين بمكانة شهدائنا واحترامهم لتضحياتهم والاهتمام بقبورهم وتناقل قصص بطولاتهم، وأي توجه لنقل الشهداء الى الاردن مستقبلاً مرفوض لان قبور شهداء قواتنا المسلحة في فلسطين منارات مضيئة وخير سفراء لنا لتذكير الاجيال بوحدة الدم والتاريخ والمصير، وتزيد ارض فلسطين على طهرها طهراً، دعوهم يرقدون بسلام بين أهلهم مُكَرمين مُعَززين على ثرى الأرض التي إستشهدوا دفاعاً عنها .. طوبى لاكرم الخلق عند الله ، طوبى للشهداء.
د. عصام الغزاوي.