الأنباط -
من مضامين حديث الملك مع دير شبيجل / ٢
اللواء المتقاعد مروان العمد
كنت قد تحدثت في القسم الأول من مقالتي هذه عن اهم مضامين حديث جلالة الملك المعظم مع جريدة دير شبيجل الألمانية . وتناولت في هذا القسم الحديث الذي دار مع جلالته حول جائحة كورونا وكيفية تعامل الاردن مع هذه الجائحة وما هي التوقعات والمخاطر التي يمكن ان يتعرض لها الاردن على ضوء ذلك . ثم انتقل الحديث مع المجلة إلى الموضوع الأهم اردنياً وفلسطينياً وهو موضوع صفقة القرن والتي كانت قد أعلنت تفاصيلها خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده كلٍ من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو وبحضور رئيس حزب ابيض ازرق الصهيوني بيني غيتس والذي عقد في واشنطن بتاريخ 28 كانون الثاني من عام2019 والذي رسم ملامح هذه الصفقة كما اعد لها الجانب الأمريكي وبما يتوافق مع المتطلبات الصهيونية ومنها حق دولة الصهاينة بفرض سيطرتها على مستوطناتها في الضفة الغربية وعلى منطقة غور الاردن وشمالي البحر الميت مقابل تشكيل شبه دويلة متقطعة الأوصال للفلسطينيين ضمن شروط تعجيزية وتكون عاصمتها في القدس وليس في القدس الشرقية .
وكان الاردن قد أعلن مسبقاً موقفه من هذه الصفقة ومن قبل انعقاد المؤتمر الاقتصادي الذي عُقد في البحرين بتاريخ 25 / 5 / 2019 هذا المؤتمر والذي اعتبر انه الجانب الاقتصادي لهذه الصفقه ، فقد اعلن الأردن اصراره على ان أي حل للقضية الفلسطينية يجب ان يتضمن عودة الدولة الصهيونية الى حدود ما قبل الرابع من حزيران عام 1967 وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية وحلاً عادلاً لقضية اللاجئين وفق القرار الأممي رقم 194 . كما ان جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين كان قد أعلن وفي اكثر من مناسبة عن ثوابت الأردن ولاءاته الثلاثة بالنسبة لهذه القضية وهي لا للتوطين ولا للوطن البديل ولا للتنازل عن شبر واحد من القدس الشرقية والتمسك بالوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها .
وعن هذا الموضوع دار حديث جلالته مع هذه المجلة والذي هو المحور الثاني من هذه المقابلة . وأنا هنا ليس غايتي ان استعرض ما قاله جلالته في هذا اللقاء حرفياً والذي اصبح معلوماً لكل ذي عين وبصيرة لكن لابد من الوقوف عند مفاصله الهامة لكي استعرض بعد ذلك ردود الفعل العالمية عليه وخاصة الامريكية والصهيونية والأوروبية ثم ردود الفعل الداخلية عليه وخاصة ممن نصبوا أنفسهم ممثلين للاتجاه المعاكس والذين لا يزالون يحلمون بخريفهم الذي يسمونه ربيعاً والذين لا يزالون يتصورون انه سينقلهم على الأقل للدوار الرابع وربما اكثر من ذلك . وما هي الأوراق التي يستطيع الاْردن ان يلعبها في هذه الجولة ومدى أهميتها .
وفي رد جلالته على سؤال حول ما يخطط له الكنيست لتنفيذ خطة الرئيس الأمريكي التي تتضمن قيام الدولة الصهيونية بضم اجزاء من الضفة الغربية اليها تسائل جلالته هل التوقيت مناسباً فعلاً لمناقشة ما إذا اردنا حل الدولة الواحدة أو حل الدولتين ونحن في خضم المعركة ضد جائحة كورونا ام هل علينا ان نناقش كيف بإمكاننا مكافحة هذا الوباء ؟ وأضاف جلالته ان حل الدولتين هو السبيل الوحيد الذي سيمكننا من المضي قدماً . ثم قال جلالته في إشارة لنتنياهو ان القادة الذي يدعون لحل الدولة الواحدة لا يعلمون تبعاته وماذا سيحصل إذا انهارت السلطة الوطنية الفلسطينية حيث سنشهد مزيداً من الفوضى والتطرف في المنطقة . وإذا ما ضمّت إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية في تموز فأن ذلك سيؤدي إلى صدام كبير مع المملكة الاردنية الهاشمية .
وفي رده على سؤال فيما إذا كان الاردن سيعلق معاهدة السلام مع إسرائيل قال جلالته لا اريد ان اطلق التهديدات أو أن أهيئ جواً للخلاف والمشاحنات ، ولكننا ندرس جميع الخيارات . نحن نتفق مع بلدان كثيرة في أوروبا والمجتمع الدولي على ان قانون القوة لا يجب ان يطبق في الشرق الأوسط . ولم يغفل جلالته عن الإشارة إلى ان حل الدولة الواحدة ما يزال مرفوضاً وبشدة في اجتماعات الجامعة العربية ، وان هذا هو موقف كل من جلالة الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي وآخرين بالرغم من أزمة العلاقات مع إيران . وأنهى جلالته حديثه عن متانة العلاقة الاردنية الألمانية بما في ذلك التعاون العسكري والأمني وإن ألمانيا تدرك تماماً القرار السليم بشأن القضية الفلسطينية واننا نعمل سوياً بهذه للقضية ونمضي إلى الامام .
وعلى اثر حديث جلالة الملك والذي اعتبر الأقوى والأعنف حول هذا الموضوع وهو الذي اشتهر بالخطاب الدبلوماسي فقد تواردت ردات الأفعال والتصريحات المؤيدة له حيث صدرت تصريحات من هذا القبيل من قبل حركة حماس وحركة فتح والسلطة الوطنية الفلسطينية والكثيرين من الشخصيات والقوى الفلسطينية .
كما اصدر الاتحاد الأوروبي بياناً له في اليوم التالي للمقابلة اكد فيه ان الاتحاد الأوروبي يؤكد على ان حل الدولتين هو الطريق الوحيد للتقدم في مسار السلام الصحيح المنشود واعتبار خطة السلام الاميركية التي اقترحها الرئيس ترامب والتي تستند اليها إسرائيل لضم مناطق من الضفة الغربية مخالفة للمعايير وانها انتهاك للقانون الدولي . كما هدد الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات ضد إسرائيل بحال اقدامها على ضم اراضي فلسطينية في الضفة الغربية . وصرح منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل ان هذه الخطوة سوف تستنفذ كل قدراتنا الدبلوماسية في ايجاد حل للقضية الفلسطينية .
كما ظهر شبه اجماع في اروقة مجلس الامن على رفض مثل هذا الإجراء . وصدرت تصريحات من الحكومة الفرنسية ترفض عملية الضم تلك وكررت الحكومة الفرنسية دعوتها للحكومة الاسرائيلية إلى العدول عن خطط ضم اراضي من الضفة الغربية وان قراراً مثل هذا لا يمكن ان يبقى دون رد . وقال وزير الخارجية الفرنسي جان لودريان اننا ندعو الحكومة الاسرائيلية للامتناع عن أي تدابير أحادية وخاصة ضم اراضي من الضفة وان اي قرار من هذا النوع لا يمكن ان يبقى دون رد .كما أعلنت ألمانيا وعلى لسان وزير خارجيتها هايكو ماس ان الضم غير متفق مع القانون الدولي . وقد شددت بريطانيا على انها لن تدعم ضم إسرائيل اجزاء من الضفة الغربية ، وقال وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية جيمس كليفرلي ان بريطانيا لن تؤيد ضم إسرائيل اجزاء من الضفة الغربية لأن ذلك سيجعل حل الدولتين مع الفلسطينين امراً اكثر صعوبة . كما ادانت أسبانيا ضم إسرائيل لاراضي من الضفة الغربية وبناء وتوسيع مستعمراتها بالقدس والضفة الغربية .
كما ان الخارجية الاميركية أكدت عبر المتحدثة الرسمية باسمها مورغان اوتاغوس ان علاقات الولايات المتحدة الاميركية وثيقة مع الاردن . وقالت نتفهم ان الملك عبر عن قلقه ولهذا السبب بالذات نعتقد انه المهم العودة إلى طاولة المفاوضات للعمل على تحقيق خطة السلام . وقالت ان مناقشات خطط ضم اجزاء من الضفة الغربية يجب ان تدور بين إسرائيل وفلسطين ضمن عملية السلام .
وفي زيارة خاطفة لوزير الخارجية الأمريكية إلى إسرائيل بتاريخ 18 من شهر أيار والتي يبدو انها محاولة لدعم موقف الرئيس الأمريكي
في الانتخابات القادمة دعى بومبيو إلى التقدم بتنفيذ الاقتراح الأمريكي للسلام الإسرائيلي الفلسطيني ، لكنه لم يصل إلى درجة تحديد توقيت محدد لضم إسرائيل لأجزاء كبيرة من الضفة الغربية اليها . وقال انه لا يزال هناك عمل يتعين القيام به ونحن بحاجة إلى احراز تقدم في ذلك . وكانت الإدارة الأمريكية قد قالت انها سوف تعترف بالسيادة الإسرائيلية في أنحاء من الضفة الغربية مقابل تأكيدات بأن إسرائيل مستعدة للتفاوض على اتفاق سلام مع الفلسطينيين على أساس خطة ترامب . وأشارت تقارير مختلفة إلى أن الإدارة الأمريكية قد ترغب في مطالبة الحكومة الإسرائيلية بعدم التسرع في تطبيق هذه السيادة وان كان بومبيو قد صرح مراراً أن هذا الأمر هو قرار إسرائيلي .
وعلى مستوى الدولة الصهيونية ففي حين أعلن نتنياهو اصراره السير قدماً بخطوات ضم مناطق من الضفة الغربية وغور الاردن وشمالي البحر الميت أبدى شريكه في ألأئتلاف ووزير دفاعه بيني غيتس ووزير خارجيته غابي اشكنازي تحفظهما على هذه الخطوة في هذه الظروف وان دعما الفكرة من حيث المبدء ، حيث يعتقدان انها سوف تسبب حالة من عدم الاستقرار الأمني في توقيت غير مناسب ، حتى ان غيتس لم يشر إلى هذه الخطوة في خطابه أمام الكنيست بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية
كما ان قيادات أمنية اسرائيلية حذرت من مغبة الضم في الظروف الحالية واحتمال تأثير ذلك على اتفاقية وادي عربة . واعربت هذه القيادات عن قلقها الشديد على مستقبل العلاقات بين إسرائيل والأردن .
كما ان معهد السياسات والاستراتيجيات في مركز هرتسيليا اصدر وثيقة قال فيها انه من المقلق جداً تنفيذ خطة ضم مناطق في الضفة الغربية وعلى رأسها غور الاْردن وذلك بسبب التداعيات الإستراتيجية لهذا الضم. وان هذه الخطة سوف تؤدي الى زعزعة الإستقرار على الحدود الشرقية وان تنفيذ الخطة يمكن أن يؤدي الى هزة عميقة لعلاقاتنا مع الاردن والسلطة الفلسطينية .
كما خرجت أصوات معارضة لخطة الضم من شخصيات عسكرية سابقة وسياسين وأحزاب ووسائل اعلام . حيث دعت صحيفة هاآرتس إلى وقف الضم وقالت ان الضرر المرتفب سيكون هائلاً . وكتب الكاتب عاموس جلعاد في صحيفة يدعوت احرونوت بأنه يجب وقف خطة الضم والتي من شأنها ان تؤدي الى ضرر شديد للأمن القومي الإسرائيلي
كما صرح رئيس هيئة الأركان الاسرائيلي السابق غادي آيزنكوت والذي ترك الخدمة منذ سنة ونصف في حديث لصحيفة يسرائيل هيوم انه ينبغي الامتناع عن القيام بخطوات أحادية في منطقة الاغوار . وقال ان هذه مصلحة عليا ويجب ان نحافظ على علاقات طيبة مع الاردن .
كما قامت وزارة الخارجية الاردنية بإتصالات ومباحثات مكثفة مع دول العالم لكسب التأييد للموقف الأردني الرفض لخطة الضم والتي يبدو انه لا يقف خلفها سوى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والصهيوني نتنياهو وكلاهما يعبران عن مدى التعصب والتطرف لديهما ، وكلاهما متورطاً بقضايا فساد في بلديهما وكلاهما يسعيان للهروب منها ، وكلاهما يسعيان إلى استمرار سيطرتهما على الأمور في بلديهما وهما يريان ان تحقيق الضم وإنهاء القضية الفلسطينية بأي شكل من الأشكال هو ضمانة لهما في المستقبل . لكن وبنفس المقدار وبالرغم من كونهما يسيطران على زمام الأمور في بلديهما الآن الا ان سلوكهما هذا الطريق قد يقلب العربة عليهما ويكونا هما ضحية قيادتهما لهذه العربة بهذه الطريقة المتهورة .
وكل هذه المواقف الدولية هي من ضمن رهانات جلالة الملك في صراعه مع الدولة الصهيونية بخوص الحقوق الأردنية والفلسطينية بالإضافة لاستخدامه اتفاقية وادي عربة والعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية معها كأوراق ضغط عليها للمحافظة على هذه الحقوق دون ان يعني ذلك بالضرورة الغاء الاتفاقية في هذه المرحلة لأن فعل ذلك قد يكون لصالح الكيان الصهيوني . أما الخيار العسكري فمن المؤكد انه ليس بالوارد في ظل موازين القوى الآن وليس مطلوباً من الاردن الانتحار كما يطالبه بذلك بعض المزايدين .
أما على المستوى المحلي فقد أصدرت الكثير من الأحزاب والفعاليات الاردنية بيانات تدعم مواقف جلالة الملك وداعية الدول العربية والإسلامية واحرار العالم إلى مساندة السياسة الاردنية والوقوف بجوار الشعب الأردني في مواجهة السياسات الصهيونية فيم عبر الكثير من الصحفيين وكتاب المقالات والمحللين السياسيين عن مساندتهم لمواقف جلالة الملك ، فيما أبدى بعضهم ملاحظات منطلقة من عدم ثقتهم بأن الدولة الصهيونية وخلفها الإدارة الأمريكية من الممكن ان يعدلوا عن موقفهما بخصوص قضية الضم أو ان يكون لمواقف جلالة الملك أي تأثير في تغير هذه المواقف ، وقد تجاهل البعض الحديث عن الموضوع وكأنه لم يكن وكأنه لا يعنيهم . في حين ان فئة قليلة من الأردنيين قد تعد بالأصابع وان تجاوزت ذلك فهي لن تبلغ بضع عشرات اختارت لنفسها دائماً ان تسبح عكس التيار وان تقف على الضفة الأخرى للوطن لتساهم في قصفه واتهامه بأقذع الاتهامات والقول ان النظام الأردني قد تكون لتوفير الشرعية للكيان الصهيوني وأنه استولى على الضفة الغربية لحين تسليمها للكيان الصهيوني الأمر الذي تم عام ١٩٦٧ وان ضم مناطق من الضفة الغربية للكيان الصهيوني يجري بموافقة النظام وان ما يقوله النظام في العلن يختلف عما يقوله خلف الأبواب المغلقة . وان المرحلة القادمة هي تسليم الضفة الشرقية لهذا الكيان وذلك حسب ما هو وارد في اتفاقيتي سايكس بيكو وسان ريمو وعلى اعتبار انها مشمولة في وعد بلفور . الأمر الذي لا يتفق مع الحقائق التاريخية ونصوص الاتفاقيتين ولا يتعدى الهلوسات لدى بعض المتطرفين الصهاينة وجدت هوى لدي بعض من يعتبرون أنفسهم معارضة أردنية وذلك يحتاج إلى حديث آخر .