الأنباط -
الأنباط -فرضت جائحة فيروس كورونا على الناس أنماطا جديدة للتواصل مع الأحبة والأقارب، فكانت اللقاءات الافتراضية التي تتيحها التطبيقات الحديثة وسيلة لهم تعويضا وبديلا عن لمة رمضان المعتادة.
وبين ضرورات التباعد الاجتماعي بسبب الفيروس اللعين، وإرساء صلة الرحم، لم تعدم عائلات الطريقة لممارسة عادة قديمة تسمى بالرمضانية وإرسال مونة رمضان الى الامهات والعنايا، أو حتى الاتصال الدائم بهم على مدار الساعة وكأنهم في "بث مباشر" بفضل وسائل التواصل والاتصال الحديثة.
الجدة فاطمة التي يحلو للأحفاد تسميتها الجدة "المودرن" كونها تقتني هاتفا نقالا و (ايباد) تتواصل مع بناتها وأحفادها الذين يسكنون بعيدًا عنها عبر هاتفها الذكي مستخدمة تطبيقات الواتساب والفيسبوك. تقول الجدة: "كنت اجتمع انا واولادي واحفادي في الشهر الفضيل؛ فلمة العيلة اشي حلو ولكن حتى لا احرم نفسي من التواصل معهم تعلمت منذ بدء الازمة التواصل على الواتس والفيس، وصرت اتواصل معهم عبر سكايب وابعث لهم رسائل صوتية.."، مضيفة "كانوا يجتمعون كل عام معي في رمضان ولكن الفيروس اللعين حرمني منهم. صرنا نتواصل عبر هذه الاجهزة".
يضحك الحفيد الذي علم جدته استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ويقول: "تيتا زمان لما كنا نروح على بيتها كانت تزعل منا لما تشوفنا حاملين الآيباد او الموبايل خصوصا برمضان وعند ساعة الافطار، فهو وقت مقدس يجب على الجميع المشاركة خلاله بإعداد سفرة رمضان، هلا صارت ما تتركه"، مشرا اليها بنظرة محبة "صارت مثلنا لا تستغني عنها" . وتزيد الجدة ارسل لهم صورًا للأطباق التي اعدها، كما ان ابنتها في ابو ظبي تبادلها صور الاطباق، حتى انها تعلمت عمل القطايف والكنافة. وترجو من الله ان تزول هذه الازمة ويحمي الله الاردن وشعبه، واعدة بإعداد وليمة كبرى لكل العائلة لتعويض لمة رمضان فعليا وليس افتراضيا.
ام يزن تشير الى ان حالة التباعد الاجتماعي احيت عادة قديمة، فإخوانها وأعمامها أرسلوا لها "الرمضانية"، وهي لوازم الشهر الفضيل من الدواجن واللحوم والأرز، وغيرها من مستلزمات رمضان، مؤكدة أن الرمضانية مهما كانت قيمتها إلا أنها "نوع من صلة الرحم" التي تُشعرها بالفرح الكبير، وتنم عن المحبة والمودة" . السبعينية ام جميل ما تزال تتلقى "الرمضانيات" من إخوانها، والتي اختلفت عن الأعوام السابقة ، فكانت قديما من انتاج الارض قديما إلا أنها الآن تنوعت وزادت قيمتها المادية، مبينة أنها تسعد بكل ما يقدمه لها اخوانها مهما كانت قيمته. وتضيف ان أبناءها بعد أن كبروا وتزوجوا أصبحوا يرسلون لها الرمضانية، والتي عادةً ما تخبئها كي تقيم وليمة لهم وتجمعهم في منزل العائلة الكبير، لتزيد من فرحتها وبهجتها، ولكن في هذا الرمضان حرمنا كورونا اللمة الحلوة.
ويؤكد ابو هاني وهو موظف في القطاع العام ومثله ابو عمرو، انهما اعتادا إقامة وليمة واحدة للأخوات والأرحام في كل رمضان، لكنهما مع كورونا، وقبل موعد صافرات الانذار بساعتين يقومان بايصال إفطارات "العنايا" بطريقة (الديلفري). ابو احمد يقول هو الآخر، اعتدت كل رمضان ان ادعو الاقارب من بنات وعمات وخالات لوليمة في رمضان ولكن ما فرضته الظروف بسبب كورونا والتباعد الاجتماعي دفعني لتجهيز افطارات وارسالها الى بيوتهن، فلا اتخيل ان يمر رمضان دون اصل رحمي. ويوضح زيد الصمادي والحزن يخيم على وجهه إنه عمل خلال شهر رمضان الكريم على استبدال العزائم والولائم المخصصة لصلة الأرحام بتوزيع الطعام على بيوت القريبات منهن مع أخذ الاجراءات الوقائية حفاظاً على سلامة الجميع . ويقول، ان الولائم التي اعتاد على اقامتها خلال شهر رمضان الكريم لصلة أرحامه والأصدقاء والجيران رغم تكلفتها المالية العالية إلا أنها كانت تضفي على نفسه السكينة والراحة لما فيها من طاعة والأجر العظيم، وتعزيز مشاعر الود والمحبة الخالصة.
تقول ام سعد، اعتدت خلال السنوات الماضية أن أذهب برفقة زوجي وأولادي إلى بيت أهلي في أول يوم بشهر رمضان الكريم لمشاركتهم الافطار والسهر حتى ساعات السحر، لكن رمضان هذا العام فقير بأجوائه الجميلة وطقوسه، فلا زيارات عائلية ولا موائد افطار جماعية، ولا حتى شعائر دينية, مشيرة إلى أن عادتها بالذهاب للسوق مع زوجها لشراء بعض الزينة والفوانيس وأواني مطبخ جديدة لم تمارسها هذا العام خوفا من انتقال الفيروس جراء الاحتكاك بالمواطنين. وتمنت أن يزول فيروس كورونا قبل قدوم عيد الفطر المبارك، لتعود الحياة لطبيعتها وتعود معها الزيارات واجتماعات العائلة الجميلة. "كنت استعد لأذبح عقيقة ابنتي المولودة حديثا وادعو الاهل والاقارب" يقول محمود البركات، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، فأرجأت ذلك لعل فيروس كورونا ينتهي. ويتحدث البركات عن الغصة التي تجتاح قلبه بعد أن غير فيروس صغير لا يرى بالعين المجردة مجريات الحياة في العالم أجمع، مشيرا إلى أنه اعتاد على عمل العقيقة لكل ابن من أبنائه خلال السنوات الماضية في شهر رمضان الكريم.
يقول مدير اوقاف اربد عمر الحموري "يأمر اللهُ بصلة الأرحام، ووصَّى بها عبادَه, والرحمة معلقة بالعرش، فعن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: الرحمة معلَّقة بالعرش، وتقول: مَن وصَلني وصَلَه اللهُ، ومَن قطَعَني قطعه اللهُ"، كما حثَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على الصلة مُبيِّنًا جزاءها وثمرتها، وما أعدَّه الله للواصلين مِن الخير العظيمِ والثواب الجزيل.
لكن مع جائحة وباء كورونا يقول الحموري ان "علينا أن نوازن بين الحث على صلة الارحام وتحقيق التباعد الاجتماعي في ظل الوباء"، مشيرا الى أن وباء كورونا الذي يجتاح العالم وما ترتب عليه من إجراءات وقائية تقتضي البقاء في البيوت وعدم التزاور، لكن هذا لا يعيق صلة الأرحام.
وأشار الى وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها واشكالها التي سهلت صلة الأرحام، وأتاحت فرصا فريدة للتواصل مع الأحباب وإدخال البهجة والسرور بالكلام المأثور إلى قلوبهم، موضحا أن الهاتف الذكي أو الآيباد واللاب توب وفرت جسورا لامتداد الصلة والمحبة والود، وتعتبر بديلا مؤقتا للتواصل الى أن يأذن الله بالفرج واللقاء وجها لوجه.
--(بترا)