أصدقائى الأعزاء أكتب إليكم اليوم كلاماً جديداً عن الحب والحرب والثورة والوطن، لم أكتب لأحد ولا عن أحد، كتبت لنفسى عندما انتهى كل شىء، كتبت لكم عبارة أخيرة رداً على كل أسئلتكم: لماذا رجعت للكتابة والأدب والشعر وكل تلك هواياتى القديمة؟... ولا أعلم تحديداً لماذا قفزت الآن إلى مخيلتى عبارة الأديب (فولتير) مخاطباً ضميرنا وضمير العالم من حوله، بأنه من الصعوبة أن تحرّر هؤلاء السذّج من الأغلال التى يبجّلونها... ويظل السؤال الذى بداخلى: ماذا لو أشعلنا عيدان الثقاب التى فى داخلنا وأحرقنا هذه الأغلال وتلك القيود؟! ماذا لو تبادلنا الكراهية مع جلادينا، فهؤلاء قوم يملكون سحر البيان بلا أدب، ونملك نحن حق الرد بأدب، فها أنا لا أنكر الآن أننى لا زلت رماد لكننى بخير على أية حال... وإليكم نص كلماتى اليوم: إنظرى إلى وجه تلك المرأة العجوز وهى تلملم عنا جراح الوطن!... توجهت بنظرى نحوها باكية فقد كانت حقاً تشبه هى تلك الشجرة التى تحت ظلالها نجتمع، هى تلك التى طفقت تخسف أوراق الصبر على الواقع لتدارى بها سوءة هذا الوطن، هى التى تزيل أشواك الألم لتزرع بداخلنا بذور الأمل، هى تلك التجاعيد البادية على وجه الوطن... هى إمرأة حتماً ليست ككل النساء فى هذا الوطن لماذا الحب مخيف لهذه الدرجة؟.... لأننى صراحةً أرتعب من فكرة التعلق بشخص واحد قادر على الوصول إلى أقصى أعماقى بمفتاح صغير أضعه بين أيديه، ولست أدرى حقيقةً ما الذى يخيفنى أكثر: هل السماح له بالولوج إلى عمقى أم اكتشافه للكائن المظلم بداخلى؟ ما أكثر شئ إكتشفتى أنه خطأ فى هذه الدنيا؟... ربما كان من الخطأ أن نبحث فى هذه الدنيا عن معنى بينما أن مهمتنا الأولى أن نخلق نحن هذا المعنى حين فتحت لى قلبك... واعترفت لى بإقتراف حبك لى... تظاهرت بأننى أجنبية ليست حقاً من هذا الوطن لا تفقه مخارج الحروف... وحين طلبت رقم هاتفى المحمول زرعت اللؤم فوق وسادتى، وأخبرت حينها أمى بأننى لا أقوى على إستقبال المكالمات اليوم هل من كلمة توجهينها للأمة العربية؟... نعم يا سيدى، هناك كلمات عديدة أود قولها وتوجيهها لهم، أهمها على الإطلاق... أيها الرفاق يا من تسمون أنفسكم أو يسمونكم عرب... لا تقرؤوا التاريخ، فقط أقرؤا الحاضر... فنحن يا سادتى الكرام يا أبناء عروبتى نبكى على تاريخٍ أغلبنا لا يعرف عنه سوى بضع أسطرٍ رددها أمامه الكبار... فنحن جميعاً نبكى - وأنا معكم - على مستقبلٍ لا نعرف عنه سوى أنّه أسود ومظلم ما أكثر تلك المتناقضات فى عالمنا العربى؟... أعتقد أن تلك المتناقضات كثيرة هى يا سيدى، ويأتى على رأسها هو أننا نغلق أبوابنا بوجه بعضنا البعض، ثم نتّهم الغرب بالعنصرية لأنّه لا يفتح أبوابه لنا... حقيقى منتهى التناقض هل هناك ثمة علاقة بين الكتابة والحرب والحب والحكومة؟... سؤال رغم تعقد وتعدد أطرافه، إلا أننى أعتقد ذلك فالكتَّاب ليس بإمكانهم أن يكتبوا بالسرعة التى تشعل فيها الحكومات الحروب، فالكتابة تحتاج إلى بعض التفكير والوقت، بينما قرار إشعال الحرب كما الحب لا يحتاج قدراً من الوقت ما أكثر ما كنتِ تخشينه عندما بدأت تلك الحرب فى وطنك، وأنتِ تقبعين وتقيمين خارج حدوده؟... سيدى كان الوضع مؤلماً بالنسبة لى، أعتقد أنه لم يكن يبدو لى أن من العدل أن يواجه الناس الذين تركتهم وراء ظهرى تلك الحرب بمفردهم، وكنت أخشى خسارتهم وأنا أمكث هناك بمفردى... منتهى التمزق النفسى هل الحرب والحب فى حاجة لوقت أطول؟... نعم سيدى الحرب كما الحب فى حاجة لوقت أطول فعلى قصيرى النفس أن يتنحوا جانباً عندما إندلعت الحرب، وهربت مثلى مثل آخرين... إستوقفنى أحدهم سائلاً متسائلاً: "هل جئتِ سيدتى الفاضلة من نفس تلك المدينة؟"... وأومأت برأسى نعم، فأجاب، "إذاً، فلا بد أنكِ قلقة بالفعل حيال المسألة".... ولعل أكثر ما أدهشنى فى المسألة برمتها هى أن سائلى كان قلقاً هو الآخر، لكن ما أحبطنى حقاً هو أنه لم يقل المزيد من هم الأبطال الحقيقين فى هذا الوطن؟... بكيت حزينة وأشرت إلى هناك... إلى بعض هؤلاء الأشخاص الذين لا أعرفهم ولا حقاً يعرفوننى... وأجبت: إنظر إلى هؤلاء... هم لم يقاتلوا من أجل أنفسهم وإنما من أجل إنقاذ العالم... لذا، رأيت أنا إبتسامتهم حائرة بين السطور، فلا شىء أجمل يا سيدى من إبتسامة تكافح للظهور ما بين الدموع متى تبدأ علاقة حب أو علاقة حرب؟... سؤال إجابتى عليه هو أنه من الصعب جداً أن ندرك اللحظة التى ستبدأ فيها الحرب أو الحب، لكن من السهل جداً أن ندرك أننا فعلاً بعدها أننا قد وقعنا حقاً فى الحب أو فخ الحرب هل تعلم متى تنتهى علاقة حب أو علاقة حرب؟... سؤال خبرت معناه بنفسى، وأدركت جُل معانيه وهو أنه إن لم تكن تتألم عندما تقول أن كل شىء إنتهى... فيبقى ذلك إيذاناً بإنتهاء علاقة حرب أو حب أرتوى فى الأعماق هل تذكرين يوم أن بدأت الثورة؟... ضحكت من أعماق قلبى وأنا أجيب يومها كان بيدى كشكول محاضرات وفى عينى كآبة، وفى قلبى حنين للفوضى... وجدنا الجامعة مغلقة، والأمن يقول بصوت جهير: بسبب المظاهرات يا سادة لا توجد دراسة اليوم... غمرتنى موجة من الفرح، ومن صميم قلبى دعوت الله أن تدوم الثورة إلى الأبد لحظة، أعرينى سمعكِ قليلاً! هل ما زلتِ تذكرين تلك الثورة؟.... صرخت بعدها فى وجه محدثى، مستنكرة عن أى ثورة يتحدث؟، فالورد لم يزهر بعد فى تلك الشوارع، بل والأهم هو أن هؤلاء القابعين فوق رؤوسنا لم يتركوا لنا حصناً نفتح به أبواب الحرية... ولكنى نعم مازلت أؤمن أنهم لن يستطيعوا أن يسرقوا الطريق منا! أيهما أهم بالنسبة لك... الإنسانية أم الوطنية؟... سؤال رغم صعوبته إلا أننى أعتبر أن واحداً من أخطر تلك الأسئلة هى تلك الهاربة من سجن الإقصاء هل أنت مع أم ضد؟ لا أدرى فى طيات كل جواب ربما تكمن هناك عملية اغتيال معنوى صرخت فى وجه محدثى وهو يتحدث عن الوطن باكية... أنتَ أنتَ تتحدَّث عن عشق الوطن! ماذا تعرف أنتَ عن هذا الوطن؟... تركته غاضبة ولم أنتظر حتى سماع الإجابة ما الذى تغير فيك منذ الصغر حتى الآن؟... وأنا أعتقد أنه قد تغير بداخلى الكثير، فقد حلمتُ منذ نعومة أظفارى بإنتصاراتٍ أسطِّرها دون خدشٍ واحد، ومعارك لا يُشَق لى فيها غبار، ومظالم أرفعُها، ومستوطنات أُحرِّرها، وثروات أعيدها لأهلها في طرفة عين!... ولكن عندما كبِرتُ تغيَّرت نظرتى للعالم، فهمتُ أن ما يُنتِجه خيالنا لا يغادر خيالَنا، ولا يتعدى كونه ضرباً من ضروب التسلية، وأحيانًا حِيلة لتشتيت فكرنا هل ستخونين حقاً وطنك؟... سؤال رغم غرابته وعدم تداوله كثيراً بيننا إلا أننى أجبت بأننى نعم سأخون وطنى لأننى سأزيل كل التماثيل التى يوماً شيدوها زوراً بإسم الوطن، ولن أنحنى بإجلال لكل مرتزقة وجلادى ومخبرى هذا الوطن، سأخون وطنى لأننى أرفض أن أكون فى خانة "مع" ولن أكون فى خانة "الضد" فى هذا الوطن وأخيراً... أختم كلامى إليكم بقول الشاعر "ريلكه"، حينما قال: لا شىء فقير أمام المبدع فحتى لو كنت فى سجن تخنق جدرانه كل ضجيج العالم، أفلا تبقى لك دائماً طفولتك؟... وأنا حقيقةً قد تعمدت أن أختم كلامى بعبارة ريلكه، رداً على أهم سؤال وُجِهَ لى فى الفترة الأخيرة، مفاده: لماذا رجعتِ مرة أخرى إلى الكتابة والأدب والشعر وكل حياتك الأخرى السابقة كأديبة، بل ولماذا فتشتِ عن كل هواياتك السابقة التى تركتينها منذ سنين، والإجابة تكمن فى السطور القادمة: إن كنت قد مررت من ألم أثر على حياتك بشكل سلبى، فإستيقظ وإبحث عن موهبة تكمن فى داخلك لتتناسى كل وجع سببه ألمك!... لا تقف مكتوف الأيدى وتدع آلامك تنتشل جسدك وتخور قواك، اعتنِ بنفسك كأم لك أنت، يكفى أن تتخذ قيلولة من معاناتك ولتستبدل العالم بالهدوء وبإنتصار مذهل.... لهذه لمثل هذه الأسباب فأنا اليوم أكثر إعتناءاً بنفسى... فهل توافقوننى الرأى؟