صراع أردني إسرائيلي مكشوف في القدس وحرمه الشريف يأخذ أشكالاً متعددة في ظل هجمة عدوانية غير أخلاقية يُنفذها الليكود ورئيسه ومعهم متطرفون سياسياً وعقائدياً ونزوع عنصري استعماري استهتاري يزيد من حدة المواجهة ويُفاقم من تبعاتها على أبواب انتخابات برلمان المستعمرة الإسرائيلية التي تجعل استهداف أحزاب اليمين السياسي المتطرف، والأحزاب الدينية اليهودية المتشددة أكثر إنفعالاً ورفضاً للتسليم بالهزيمة أمام صلابة أهل القدس من المسلمين والمسيحيين، ومعهم فلسطينيو مناطق 48 أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، الذين احتشدوا بأربعين الفاً لأداء صلاة الجمعة في ردهات المسجد الأقصى وخاصة لدى مصلى باب الرحمة تأكيداً على أنه جزء لا يتجزأ من مكونات المسجد الأقصى ومنشآته وحرماته .
لا أحد يشك بقدرات سلطة الاحتلال وتفوق إمكاناته المتاحة ودوافعه للسيطرة على الحرم وفرض السيطرة والقوانين والإجراءات الإسرائيلية على جنباته وتفاصيل مداخله ومخرجاته، إذ بقي الأقصى عصياً على الانحناء، وعنواناً رافضاً للاحتلال برمته، وبات وكأنه جزيرة من الحرية ليست مقتصرة على حريتهم للعبادة، بل وحرية الخيار والسياسة والهوية وعنوناً للاستقلال الفلسطيني، رغم المنع الذي يفرضه الاحتلال على أهالي الضفة الفلسطينية وقطاع غزة من الوصول إلى القدس .
صحيح أن الاحتلال متفوق ومتمكن، ولكن الأردن ليس حيطاً واطية، إذ يملك أوراقاً قوية تجعله في منأى من المساومة، بل تضعه في الموقف الأقوى في المفاوضات الأمنية الدبلوماسية بين عمان وتل أبيب، فالأردن يملك :
أولاً : عدالة قضية الأقصى باعتباره مسجداً مقدساً وإرثاً تاريخياً للمسلمين، لا يجوز المساس به أو التطاول على حرمته واحترام خصوصيته كمسجد للمسلمين فقط، كما هي الكنيسة للمسيحيين والكنيس لليهود، وهناك إقرار رسمي إسرائيلي من قبل حكومات المستعمرة متعاقبة في الإقرار بالدور والرعاية الأردنية الهاشمية للحرم القدسي الشريف .
ثانياً : إقرار مؤسسات الأمم المتحدة كافة وفي طليعتها الجمعية العامة ومجلس الأمن واليونسكو حول القدس وقدسيتها وعدم شرعية الاستيطان فيها وعلى أرضها وخصوصيتها، ورفض أي تغيير أو تبديل لمعالمها وتراثها .
ثالثاً : الاتفاق الأردني الفلسطيني المتعاقب نحو تظهير الدور الهاشمي والتاريخي للرعاية الأردنية للمقدسات الإسلامية والمسيحية وأخرها اتفاق أذار 2013، بين جلالة الملك عبد الله والرئيس محمود عباس .
رابعاً : والأهم هو أهل القدس من المسلمين والمسيحيين وفلسطينيي مناطق 48 الذين يتقدموا بالوفاء والقبول والحماية وتأدية الصلوات وخاصة بالمناسبات وأيام الجمع وكلما لاح خطر على المسجد الأقصى تأكيداً على التفاني والمواجهة وحماية مقدساتهم باعتبارها حقوقاً عقائدية ووطنية لا تقبل المساومة أو الشراكة أو الاستهانة .
وها هي صلوات الجمعة، ومنذ قرار فتح مصلى باب الرحمة وعشرات الالاف يتدفقون استجابة لنداء مفتي القدس وفلسطين، ومجلس الأوقاف الذي يقود مشروع الحماية والصيانة والإدارة والبرمجة للحرم القدسي الشريف، ويؤدون واجباتهم في الحضور والصلاة إلتزاماً ورسالة بالحفاظ على قدسية المسجد وإسلامية أوقافه وساحاته ومحتوياته بما فيها مصلى باب الرحمة .
إجراءات العدو الإسرائيلي ضد رئيس وأعضاء مجلس الأوقاف وحراسه لم تُرعب ولن تُرعب القائمين على أوقاف القدس وأهلها بل زادتهم إصراراً وقناعة وصلابة بدوافع تحركاتهم ونُبل صلواتهم لتكون في الأقصى بشكل دائم ومتواصل ومتتالي بعشرات الألاف لقطع الطريق على هوس المتطرفين الإسرائيليين من مستوطنين أجانب أو من يهود متشددين يتجاوزوا حدودهم على أقدم مقدسات المسلمين أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين ومسرى ومعراج سيدنا محمد .
بسالة الفلسطينيين في القدس ومن أجل الأقصى هو السلاح الأقوى للدور الأردني، ولهذا يتعامل رسمياً من موقع القوة ولا مجال للمساومة وما تسريبات التوصل إلى تفاهمات سوى تعبير عن الضعف لدى أجهزة المستعمرة ومؤسساتها التي تجد الصد نظراً لقوة ومبدئية التفاهم الأردني الفلسطيني الذي تجسد باتفاق آذار 2013 بين جلالة الملك والرئيس الفلسطيني، وتطبيقاته العملية بتشكيل مجلس أوقاف القدس يوم 14 شباط 2019 .