لم تكن جائزة تمبلتون التي أطلقها رجل الأعمال البريطاني الأمريكي جون تمبلتون مجرد جائزة مالية أو جائزة ترتبط بجهد مميز أو مبادرة رائدة على مستوى العالم فحسب كما هو الحال بجائزة نوبل أوبقية الجوائز العالمية الأخرى. بل ايدلوجيا فكرية مفعمة بالإيمان الذاتي والدافع الروحاني الذاتي المبني على دوافع ونوازع إنسانية تسخر لصاحبها الانطلاق نحو الإنسان وإنسانيته وينظر للبشريه ومسؤوليته تجاه الإنسان أيا كان دينه وموقعه وشكله ولغته. فجائزة تمبلتون ما زالت تتعامل مع الإنسانية المطلقة وقيمها ومجتمعاتها وحقوقها في الحياة والسلام والمساهمة في خدمة البشرية. وهي تبحث عن الشخوص الذين نذروا أنفسهم لمساعدة الناس والدفاع عنهم والعمل على بناء سلمي اجتماعي قائم على الحوار والتفاعل وبناء قواسم مشتركة تؤمن للجميع حصته في المساهمة في التطور البشري.
هذه الجائزة اعتراف عالمي بالأيدلوجية الإنسانية للملك ونظرته نحو البشريه وخدمة المجتمعات وبناء تفاعل وتشاركية تقرب بها الشعوب وتعمق التسامح الديني.
الأم تيريزا الهندية الألبانية والحائزة على جائزة نوبل وجائزة تمبلتون وهبت كل مبالغ الجوائز لتدعميها الأسر الفقيرة وبناء المدارس وكذلك فعل القس توتو والعالم روجيه شونزة والواعظ يلي غراهام وعالم البيلوجيا التطوري فرانسسكو يلا. وبقية المكرمين من هذه الجائزة. فقاعدة اختيارهم يقوم على الروحانية التي ترتفع وترتقي عن الصالح أو المطامح والحاجات أيا كانت، بل لمجرد خدمة الناس والتخفيف عنهم ومساهمتهم في الرفاه البشري.
والسؤال المطروح أمام الجميع؟ لماذا هذه الجائزة ولماذا الملك عبدالله الثاني وهو رجل سياسة وقائد دولة، لم يحصل وإن نال زعيما عالميا أو رجل دولة، أي اهتمام من قبل لجنة الاختيار والتقييم يشير إلى أن هذه الجائزة التي تخص الإنسانية والعمل الإنساني وخدمة البشرية سياسيا أو تكنلوجيا أوعلميا، خاصة ونحن نشهد باستعراض المكرمين بأن السياسيين غابوا عن قائمة المكرمين ليكون الملك أو زعيم سياسي ومن منطقة الشرق الأوسط وعربي، أول من ينال هذا التكريم، مما يدل على التقدير والاحترام بالرؤى والفكر والأيديولوجيا التي ينتهجها الملك وبإحساس عال المسؤولية وفكر شمولي يصل حد البشريه وبمعتقدات تعكس الواقع الصحيح للدين الإسلامي بحقائق التسامع والتفاعل مع الاخرين واحترام التعددية والتقارب بين الناس، فما دمنا نعبد الله ونقدر جهود بعضنا ونحتاج بعضنا البعض فلا بد من منهجية تفاهم و تقارب تكفل الصالح الانساني وتقدم البشرية وتحفض لها امنها وسلمها وتعزز القواسم المشتركة بين افراد البشرية . خاصة وان المنادات بحقوق الانسان واحترام خصائص الشعوب وتمكينهم من القدرة على التعبير وحرية الرأي والدفاع على النفس , ورفص احتكار المعرفة او الرأي او كل من يكفر او يخالف اراء الناس وجمهورهم .
إن جهود الملك الانسانية في خلق مجتمع انساني قائم على المحبة والتفاعل تطلب وعي شامل وإدراك مستمر لواقع الاديان والتفريق بين التعاليم الحنيفة وبين الخارجين على الدين او ما سماهم الملك (الخوارج ) وهذا يحتاج الى شخصيات ومؤسسات تتصدى لمثل هذه الفئات وتحاربها في فكرها ونواياها ومحاولة وتصويب المفاهيم المغلوطة التي رسمها وصورها الخرجون عن الدين مرادهم المصلحة والسلطة وتخريب الديار والانظمة . وهذا بطبيعته إيثار ومصلحة إنسانية تطغى على الذات والتفكير بالمصالح .
لقد آمن الملك بأن حب الله والاستماع للجار والاخرين هو اساس مواجهة عملية الاستسلام لمفاهيم الكراهية بين الشعوب التي يعمد اليها اصحاب الفكر المغلق , ويسعون لعزل لمجتمعات والشعب وخلق الكراهية بين الاديان وبالتالي المجتمعات والطوائف وخاصة بالاكاذيب وبالتالي تمزيق المجتمع الانساني وتحويلة لشريعة الغاب , لهذا نجد الملك يدعو الى الحوار السلمي والاستماع للحقيقة التي من شأنها تقريب الناس والشعوب ورفع الظلم عنهم وعن الاديان .
مفهوم الخوارج الذي تحدث عنه الملك مرارا جاء نصرة لحقيقة الاديان ورسائلها التي تنادي بالانسانية وتصب بالنهوض بحاضر ومستقبل البشرية بالتخلص من الهيمنة والاستعباد والتسلط , فالملك ما زال يتحدث عن جملة(كلمة سواء ) وارتضى لنفسه كما كان والده فنجده وصيا على المقدسات الاسلامية المسيحية والدفاع عنها سياسيا وماليا ليكون من المدافعين عن الاديان والمقدسات وادخالها ضمن اعتراف اليونسكو كثروة وثقافة إنسانية لا يجوز العبث بها.
وها بعد ترسيخ وتكريس مفهوم الدولة المدنية لتي يكون الانتماء الاكبر فيه للدولة ويكون الجميع سواسية ضمن اطار الحقوق والواجبات ليكون المسلم والمسيحي وكل الجاليات التي سكنت الاردن أو شردت من ديارها وعلى مدار عشرات السنين , مواطنين يملكون الحقوق كافة رغم الصعوبات والتحديات لتي يواجهها لاردن .
رسالة عمان التي تعاملت مع مذاهب الدين وقربت بين مشايخ المذاهب وخرجت بالرسالة والنصائح التي التقى عندها علماء الدين , لان في ذلك سلام وامن اجتماعي ليس على مستوى الاردن بل والدول الاسلامية وما بين حوال 1,8 مليار مسلم على هذه الكرة الارضية فالملك تحدث وفي اروقة الجمعية العمومية عن التعاون في مجال الدين, انسجاما لقول الرسول , لا يؤمن احدكم حتى يحب لاخية ما يحب لنفسه وليطابقها مع اسبوع الوئام الديني الذي جمع رجال دين اسلاميين ومسيحييون , والمساهمة في بناء التاريخ الديني المسيحي في الاردن كالمغطس وترميم كنيسة القيامة وتسجيلها باليونسكو كأرث تاريخي مسيحي . ويكون بذلك قد عزز الثقافة العالمية للسلام والوئام للأديان .
فهل كل ما ذكر من مهام رجال الدين أو السياسة, أم اصحاب الأيدلوجية الانسانية , التي جاءت متوارثة , ضمن منهجية اجداده الهاشميين الذي تربوا على خدمة البشرية دون تمييز .
إن المناداة بالتسامح ولقاء البشرية والتفاهم بالحوار والتفاعل ضمن اطار التطور الاتصالي التكنلوجي يعطي الفرصة الاكبر بتوضيح ثقافات الشعوب ومبادئها ودياناته , وهي الفرص الاكثر اهمية لتشكيل تفاهم عالمي يحقق الحوار السلمي وتعزيز القواسم المشتركة التي تمكن العالم والقوة الخيرة من مواجهة تحديات البشرية .
نعم انها الفلسفة التي اعتمدها مقرروا جائزة تمبلتون لمنح الملك هذه الجائزة . فمبروك لصاحب الجائزة.