مشروع قانون ضريبة الدخل الذي أودى بحكومة الدكتور هاني الملقي، ووضع حكومة الرزاز على المحك، انتهى به المطاف أخيرا تحت قبة البرلمان بعد نحو عام من الجدل الصاخب.
لجنة الاستثمار والاقتصاد في مجلس النواب استكملت مناقشة المشروع مع أصحاب المصلحة من نقابيين وصناعيين وتجار، وأجرت سلسلة من الجراحات التجميلية على نصوصه تمهيدا لبدء مناقشته اليوم.
لن يرضي القانون الجميعَ، هذا مؤكد، وأولهم صندوق النقد الدولي، الذي ضغط من أجل إقرار القانون كما ورد من الحكومة. كما أن التعديلات التي أدخلتها اللجنة النيابية لا تعجب الحكومة مثلما أوحت تصريحات لوزير المالية عز الدين كناكرية.
في المقابل هناك قطاعات اقتصادية حافظت على مكتسباتها في القانون، بينما خسر فئات اجتماعية محسوبة على الطبقة الوسطى بعضا من امتيازاتها في الإعفاءات من ضريبة الدخل.
ربما لا يختلف مشروع القانون في جوهره عن النسخة الأصلية التي عرضتها حكومة الملقي، لكن الحوارات المتصلة مع مختلف القوى الاجتماعية والاقتصادية ساهمت إلى حد كبير في تسهيل مهمة حكومة الرزاز، كما أن الآلية التي أدارت فيها لجنة الاستثمار النقاشات، كانت كفيلة بخلق أكبر قدر ممكن من التوافق حول التعديلات الممكنة على مشروع الحكومة.
تحت قبة البرلمان سنشهد نقاشات ساخنة حول توصيات اللجنة النيابية، ولن يتأخر نواب كثر في طرح اقتراحات بديلة، لكن السجال بمجمله سيكون بين النواب أنفسهم وليس الحكومة التي ستدفع لاعتماد النصوص كما وردت في مشروع القانون المقدم من طرفها، فيما يتبنى تيار نيابي توصيات لجنة الاستثمار. من هنا تبدو فرص الخيارات البديلة محدودة نسبيا.
المهم في الأمر أن الجدل حول القانون انتقل كليا من الشارع إلى قبة البرلمان بعد عاصفة الدوار الرابع، مع عدم التقليل من الثمن الذي دفعته الحكومة من شعبيتها منذ طرحها للقانون بصيغته الجديدة. لكن الطريق أمام حكومة الرزاز مفتوحة حاليا لاستعادة زخم المبادرة ومغادرة مربع المساومات على حساب برنامجها الاقتصادي والاجتماعي.
بالأمس التقى رئيس الوزراء قيادات البرلمان لوضعهم بصورة خطته للنهوض الاقتصادي، قبل إطلاقها في وقت قريب، وينبغي أن لا تضيّع الحكومة يوما واحدا دون العمل لتحويل مشاريع الخطة إلى واقع ملموس، خاصة في ميادين التشغيل وتحريك عجلة الاقتصاد والبناء.
صحيح أن الأزمات المتلاحقة أثقلت كاهل الحكومة واستنزفت طاقتها، لكن عليها التعايش مع هذه الوضعية واختبار تجربة العمل تحت الضغط دائما.
أحوال الطقس على سبيل المثال تفرض على الحكومة تطوير آلية استجابة لا تجبر الحكومة على التفرغ لإدارة الأزمة طوال الوقت، فهناك أجهزة مختصة يقع على عاتقها مسؤولية التعامل مع هذه الظروف دون الإخلال بعمل باقي كوادر ومؤسسات الدولة.
الحكومة تحظى بدعم لا مثيل له من مختلف مؤسسات صنع القرار، وقد ترجم هذا الدعم في عديد المحطات آخرها مشروع قانون ضريبة الدخل. هذه الحالة يمكن البناء عليها لتحقيق الكثير مما وعدت فيه حكومة الرزاز.