لطمات سياسية إلى ترامب
حمادة فراعنة
ليست سياسة الولايات المتحدة ومواقفها وانحيازاتها قدر لا يمكن مواجهته، وثقل لا يمكن إزاحته، وجبل لا يمكن هزيمته، فها هي فلسطين بإمكاناتها المتواضعة وعدالة قضيتها تهزم جبروت الولايات المتحدة غير مرة، في 29/11/2012 حصلت فلسطين على اعتراف 138 دولة في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قبولها دولة مراقب لدى الأمم المتحدة مقابل اعتراض 9 دول بما فيهم الولايات المتحدة نفسها، وفي 23/12/2017، رفضت 129 دولة قرار ترامب بالإعتراف بالقدس عاصمة للمستعمرة الإسرائيلية، ورفض نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، مقابل أيضاً 9 دول بما فيهم الولايات المتحدة، رغم أن الرئيس نفسه وسفيرته الصهيونية المتطرفة نيكي هيلي هددا بقطع المساعدات عن الدول التي تمنح صوتها لفلسطين ضد القرار الأميركي.
سياسة الولايات المتحدة، متطرفة عدوانية نحو وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، وقد عاقبها الرئيس ترامب بحجب المساعدات المالية عنها بهدف شطبها وجعلها بلا قيمة وبلا أثر وبلا دور، نزولاً عند رغبة قادة المستعمرة الإسرائيلية بشطب قضية نصف الشعب الفلسطيني اللاجئ المشرد الذي يتوق للعودة إلى اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع وإلى كافة المدن والقرى الفلسطينية وفق القرار الأممي 194.
ترامب حجب أكثر من ثلاثمائة مليون دولار عن الأونروا بهدف إضعافها وفشل وظيفتها، فماذا كانت النتيجة ؟؟ تقدمت العديد من دول العالم ومنهم أصدقاء الولايات المتحدة وقدموا تبرعات سخية لتعويض وقف المنحة الأميركية للأونروا بهدف مواصلة عملها لتغطية إحتياجات اللاجئين المعيشية والتعليمية والصحية، وإبقاء قضيتهم حية كجزء من شعب يتطلع للعودة إلى بلده واستعادة ممتلكاته منها وفيها وعليها.
أخر المتبرعين كندا بواقع خمسين مليون دولار لتغطية الجزء الأكبر مما هو متبقي من العجز البالغ 68 مليون دولار، وهذا يعني على بلاطة أن قضية الشعب الفلسطيني مازالت حية وتحظى باهتمام دول وشعوب العالم، وأن السياسة الأميركية لا تحظى بالقبول أو رضى أو الإحترام حتى من قبل أقرب الدول صداقة وتحالفاً مع واشنطن، وهذه دلالة كبيرة وأكيدة أن فلسطين وشعبها تتمتع بالمكانة التي تستحقها كقضية شعب يرجو العودة ويتطلع إلى الحرية وأن يعيش على أرض وطنه مثل كل شعوب الأرض، وأن التضليل الصهيوني اليهودي الإسرائيلي بات مكشوفاً، بلا غطاء أخلاقي أو إنساني أو قانوني.
ترامب في سياسته لحجب التمويل عن الأونروا فشل في مسعاه، وواجه رفضاً وصفعة سياسية من قبل أقرب الأصدقاء والحلفاء على الصعيد الخارجي، من قبل العديد من دول العالم، ولكن هذا لم يعد ولم يكن كافياً، فقد وجه 112 عضواً لدى مجلسي الشيوخ والنواب وقدمها الثلاثي ديفيد برايس، بيتر ويلش، وأدم سميث، نيابة عنهم إلى وزير الخارجية مايك بومبيو يطالبون فيها ومن خلالها إدارة الرئيس ترامب التراجع عن قرار وقف دعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، وكذلك التراجع عن قرار وقف دعم مستشفيات القدس، وقد قدموا نسخاً من هذه المذكرة الهامة لكل من كوشنير مستشار الرئيس، وجرينبلات مبعوث الرئيس للمفاوضات، ومارك جرين مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وإلى السفيرة نيكي هيلي في نيويورك، وكارين ساساهارا القنصل في القدس وإلى ديفيد فريدمان سفير واشنطن في تل أبيب، وهي إضافة معنوية وسياسية تشكل لطمة مباشرة لسياسة إدارة ترامب وتعاطف غير مباشر لفلسطين وقضيتها وشعبها .
* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.