عند القراءة التاريخية لطبيعة العلاقات الاردنية – الاميركية التى بدأت في عهد الحسين بن طلال طيب الله ثراه مع الرئيس الاميركي ايزنهاور عام 1957 واستمرت الى يومنا هذا سنجد انها كانت تمر في فترات من السخونة الايجابية في التحالف وايضا في فترات من الفتور والبرودة والالتباس السياسي، ولنعترف بعد هذه السنوات الطويلة ان العلاقة لم تكن قائمة في يوم من الايام على انبهار اردني في السلوك الاميركي المنحاز لاسرائيل، ومنذ مشروع ايزنهاور ودخول الاردن في التحالف»المرتجف» مع واشنطن، تأسست العلاقة على اساس مالي واقتصادي ولاحقا تأسست لها منظومة سلوك سياسي وامني اقرب للتحالف ولكنه تحالف يحمل في داخله بذور»الاختلاف“.
وعلى وقع مشروع ايزنهاور الشهير المسمى»بسد الفراغ»، اغتنم الحسين وبذكاء حاجة واشنطن للأردن، وطالبها في المقابل بدعم اقتصادي لتعويض انقطاع الدعم البريطاني المخصص للاردن وحصل وقتذاك على مساعدات مالية مباشرة عدا عن المساعدات العسكرية والامنية.
استمرت العلاقات على اساس اقتصادي اكثر منه سياسي او عسكري، وهي ارضية رخوة لم تكن تخدم تطلعات الاردن السياسية ورؤيته للكثير من القضايا وبخاصة القضية الفلسطينية، وتحولت تلك المساعدات المقدمة من واشنطن الى قيد على الاردن، وهو امر دفع المملكة الى اختيار سيادة قرارها الوطني ومصلحتها القومية وهو ما جعلها تتناقض بشكل كبير مع ادارة كارتر في رفض اللحاق بكامب ديفيد والسادات، كما تناقض قرارها بشدة مع ادارة ريغان بعد اخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان ومحاولة الترويج وقتذاك لمشروع»الملك فهد» وقبله في عام 1969 لمشروع روجرز.
قمة التناقض في ذلك التحالف الملتبس كان في عام 1990 مع ادارة بوش الاب عند احتلال العراق للكويت وبدء واشنطن فرض عقوبات على الاردن لرفضه ان يكون جزءا من التحالف ضد النظام العراقي، وقد اشر هذا الامر على الخلل الكبير في تلك العلاقة وذلك التحالف، وهو ما اضعف الاردن وقتذاك وجعله يبحث عن المخرج بعد ازمة اقتصادية خانقة، وكان هذا المخرج «مؤتمر مدريد للسلام» وما تبعه من اتفاق وادي عربة وقبله اتفاق اوسلو الفلسطيني.
بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 دخلت العلاقات الاردنية – الاميركية مرحلة مهمة من التحالف عنوانه الكبير محاربة الارهاب، وحظي الاردن في تلك الفترة على دور مهم للغاية لم يتم استثماره سياسيا واقتصاديا بالصورة المطلوبة وطنيا وهو امر يمكن تقديره ودراسته من الجهات المسؤولة والمعنية لاحقا.
ولكن هذا التحالف الساخن وبعد «غياب فزاعة الارهاب وداعش»، عاد الى مستوى العلاقة «المأزومة» وتحديدا بعد الفتور الكبير مع ادارة اوباما على مدى ثماني سنوات وبسبب اختلاف التوجهات حيال المنطقة وبخاصة فيما يتعلق «بالربيع العربي»، ومستقبل الاسلام السياسي «الذي كانت تدعمه ادارة اوباما، وتضاعف»الاهتراء» في جسد تلك العلاقة بعد ادارة ترمب التى تعد الاكثر خطورة في تعاملها مع كل حلفاء اميركا في العالم ومنهم نحن العرب.
شكلت صفقة القرن «المفترضة» وتحديدا فيما يتعلق بالقدس والغاء خيار حل الدولتين شرخا كبيرا في العلاقة، ومن الواجب ان تبحث الدولة الاردنية وعبر مراكز «الاستشعار»، و»التقدير»، والقرار في الخيارات المناسبة للبحث عن خياراتها الوطنية وتوظيف امكاناتها وعلاقاتها الدولية، وهو واحد من التحديات الكبرى لحماية «الوطن والنظام» في مواجهة «العربدة الترامبية».
Rajatalab5@gmail.com
الرأي