وليد حسني
لا تبدو بالنسبة لي اقوال الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن تلقيه اقتراحا من الرئيس الامريكي ترامب باقامة كونفدرالية مع الاردن واشتراط عباس عليه ان تكون اسرائيل جزءا من تلك الكونفدرالية الثلاثية بالمزحة العابرة، فلدى عباس كما الاردن واسرائيل مشروع مؤجل اختطه الرئيس الامريكي الاسبق بيل كلنتون يقضي باقامة كونفدرالية ثلاثية تضم اسرائيل والاردن والسلطة الفلسطينية.
وهذه الغاية بالذات قام بيل كلنتون بتكليف المحامي ديفيد ماير بوضع مسودة مشروع دستور للكونفدرالية الثلاثية التي كان كلنتون وادارته يدعمون قيامها بقوة، وانجز مكتب المحامي ماير تلك المهمة ووضع مشروع دستور في غاية الروعة والاناقة استند فيه الى كل الاتفاقيات والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الانسان وزجها في مسودة مشروعه الذي لم تكتمل تفاصيله وفصوله وظل حتى اليوم حبيس الأدراج في اربع خزائن محكمة الاقفال في كل من الاردن، واسرائيل، والسلطة الفلسطينية، والبيت الأبيض في واشنطن.
ولربما لسوء حظي او لحسن حظي ــ لا ادري ــ فانني امتلك نسخة من مشروع ذلك الدستور بترجمة عربية غير رسمية ، بل وتجرأت ربما في سنة 2002 على نشر العديد من مواده في جريدة اسبوعية كنت اعمل فيها انذاك هي جريدة الاتجاه وقامت الدنيا في حينه علي ولم تقعد.
ما قاله الرئيس عباس لوفد من حركة "السلام الان" الاسرائيلية لم يكن وليد الصدفة، او انه كان يستهدف اطلاق نكتة سياسية عابرة، حين قال للرئيس الاهوج ترامب انه يوافق على المشاركة في كونفدرالية مع الاردن شريطة انضمام اسرائيل لها، ولم يكن الرئيس ترامب ايضا وهو يعرض على الرئيس عباس عرضه المغري يستهدف هو الاخر اختبار نوايا الرئيس عباس، فالرئيس الامريكي آخر من يعلم في هذا الكون الفسيح عن تفاصيل وحيثيات القضية الفلسطينية وحجم الالم والعذاب الذي يعيشه الفلسطينيون جراء الاحتلال الاسرائيلي لوطنهم منذ 70 سنة مضت.
لقد توقفت مطولا امام رواية الرئيس عباس عن عرض الاختبار الذي قدمه ترامب له، وقد بدت لي الرواية وكأنها تنبش في اوراق مغلقة، وملفات مقفلة آن الاوان للكشف عنها، وإعادة إحيائها من جديد، وهو ما يبدو جليا في العرض االامريكي الذي لم يفاجىء الرئيس عباس بدليل انه اراد برده على عرض ترامب إزاحة الغبار عن مشروع الرئيس بيل كلنتون الذي تأجل الى حين حلول اللحظة السياسية المناسبة.
اليوم ندخل جميعا في حالة انكار غير واقعية تماما، فصفقة القرن يتم تطبيقها خطوة خطوة منذ اشهر مضت دون الاعلان عن تفاصيلها، وهو ما كشفه وأكد عليه رئيس الوزراء الاسبق طاهر المصري في مقالة له نشرها قبل نحو شهرين، وما قاله المصري في حينه يبدو وكأنه يمشي سريعا على الأرض، وحين نصل الى لحظة الكشف عن تفاصيل صفقة القرن تكون الصفقة نفسها قد تم تطبيقها بالكامل او تطبيق جزء كبير منها، وهو ما تصدقه قرارات ترامب بنقل السفارة الامريكية للقدس واعتبار المدينة المقدسة عاصمة لاسرائيل، واقرار قانون يهودية الدولة الاسرائيلية، واليوم باغتيال وكالة الغوث" الاونروا" وغدا عدم الاعتراف باللاجئين الفلسطينيين...الخ.
قد يكون مشروع الكونفدرالية الثنائية الفلسطينية الأردنية او الثلاثية الاسرائيلية الاردنية الفلسطينية موضوعا مؤجلا، لكنه بالتاكيد ليس موضوعا حالما او نكتة عابرة في لقاء عابر، فالدستور منجز بل وتم عرضه على خمس دول قبل ان يقرر الجميع تأجيله الى حين الوصول الى اللحظة السياسية المناسبة التي تبدو هذا الأوان وكأنها تتفلت من عقالها وتركض نحو موعدها بسرعة الضوء..
السيد ابو مازن بالتاكيد لم يكن يمزح فلديه ارضية يستند اليها وهي ذات الارضية التي دفعت بالرئيس ترامب للحديث مع عباس عن الكونفدرالية الثنائية الاردنية الفلسطينية، بعد ان لم تعد اسرائيل معنية باية نوايا للسلام مع الفلسطينيين.//