بلال العبويني
يرى البعض أن قرارات ترامب تجاه وقف دعم الأونروا لا تصب في صالح إنهاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين، باعتبار أن قرار 194 الأممي ينص على حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة والتعويض، وبالتالي إلغاء هذا الحق منوط بهيئة الأمم المتحدة وليس أي جهة غيرها.
هذا الاستخلاص صحيح من الناحية القانونية ومن ناحية شرعية الأمم المتحدة وما ينبثق عنها من قرارات، غير أننا اليوم نعيش واقعا مختلا ليس له علاقة بالمواثيق الدولية والاتفاقات الموقع عليها بين الدول وتحديدا إن كانت الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي طرفا فيه.
في العهد "الترامبي" المُختل، لم يعد هناك شيء معقولا، وبات التوقع بما هو غير منطقي جائزا، وبالتالي فإن إدارة ترامب لن تنتظر الأمم المتحدة لتعلن إنهاء حق العودة، بل من المؤكد أنها ستتخذ جملة من الإجراءات كمثل وقفها تمويل المنظمة الأممية لإلغائها بهدف قتل الشاهد الحي والوحيد على معاناةاللاجئين الفلسطينيين وعبر سعيها لإعادة تعريف اللاجئ لتقليص عددهم من أكثر من خمسة ملايين لاجئ إلى نحو نصف مليون فقط.
قد يجد إعادة تعريف اللاجئ آذانا صاغية في الأمم المتحدة، وإن لم يكن ذلك عاجلا فإنه سيكون أمرا واقعا آجلا وسيأتي يوم نجد فيه التعريف الأمريكي وقد أصبح أمرا واقعا وباعتراف أممي ربما.
تعمل الإدارة الأمريكية فيما تعلق بالقضية الفلسطينية على فرض وقائع على الأرض تخدم مشروعها للحل النهائي وبما يتوافق مع مخططات دولة الاحتلال الإسرائيلي، وقد تلجأ في المقبل من الأيام إلى التضييق على الدول التي تقدم دعما للأونروا بهدف ثنيها عن ذلك، ويظهر ذلك جليا بالقرار الذي سمحت فيه واشنطن لدول الخليج أن تقدم الدعم للمنظمة بديلا عنها ولمدة عام واحد فقط.
ما يعني أن تلك الدول ستواجه ضغوطات بعد مضي العام لوقف تمويل الأونروا، ويبدو اليوم أن ليس هناك دولة في المنطقة جاهزة لمواجهة الولايات المتحدة أو معاندتها ومخالفة قراراتها.
الأردن يتحرك من أجل استمرار عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين عبر حشد الدعم الدولي السياسي والمالي ولضمان استمرار تقديم خدمات التعليم والطبابة والنظافة للاجئين الفلسطينيين، غير أن جهود العرب على وجه الخصوص حيال القضية لا تكاد تذكر وكأنها ليست معنية بها من قريب أو بعيد، وذلك قد يؤشر إلى أن لدى تلك الدول قناعة بأنها غير متضررة من إنهاء وجود الأونروا وبالتالي رضوخهاوببساطة لما يأمر به ترامب حيال وقف الدعم.
لذلك، قد تبقى بعض الدول الغربية المانحة تقدم حصتها من الدعم، لكن ربما لن يكون بمقدورها تعويض حصة الولايات المتحدة وحصة من يمتثل لأمرها، ما يعني أن الخدمات المقدمة للاجئين ستتأثر كثيرا وربما نصل إلى يوم، وقد لا يطول، لنرى فيه أبواب مدارس اللاجئين والمراكز الصحية قد أغلقت.
ثمة رأي يقول إن الهدف الأمريكي الإسرائيلي هو في إعدام الأونروا وتقليص عدد اللاجئين الفلسطينيين المعترف بهم، وأن الولايات المتحدة بعد ذلك ليس لديها مشكلة في تقديم الدعم مباشرة إلى الدول المستضيفة، لتتولى مهمة تقديم الخدمات بدلا من الأونروا.
قد نرى مثل ذلك قريبا، وقد تكون واشنطن تفكر في مثل ذلك، لكن عندئذ سنكون أمام جريمة كبرى ارتُكبت بحق الفلسطينيين، وسيكون كل من تواطأ من العرب تحديدا؛ شريكا في الجريمة.
الواقع الفلسطيني اليوم صعب والتحديات أشد خطورة من ذي قبل، وصفقة القرن باتت واقعا معاشا.//