بلال العبويني
لم تعلن إدارة الرئيس الأمريكي حتى اللحظة عن تفاصيل بنود "صفقة القرن" وثمة تأكيدات أردنية فلسطينية، على حد سواء، أن الأمريكان لم يطلعوا أحدا على شيء مكتوب متعلق بتلك الصفقة.
ربما يكون ذلك صحيحا، وقد لا تعلن إدارة ترامب عن الصفقة بشكل مباشر نهائيا، غير أن سلوكها على الأرض يؤشر تماما إلى ما تفكر به حيال مستقبل القضية الفلسطينية.
نوايا الإدارة الأمريكية حيال "صفقة القرن" بدأت منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، ملغيا بذلك ما توصلت إليه مفاوضات السلام بتقسيم القدس إلى شرقية وغربية، وما اقترحته المبادرة العربية (2002) من حل الدولتين.
وبهذا القرار تكون الإدارة الأمريكية قد انتهت من تحد كبير عجز عن تنفيذه رؤساء أمريكا السابقون الذين عمدوا منذ العام 1995 إلى تأجيل نقل السفارة، لتنتقل إدارة ترامب إلى الخطوات الأخرى تباعا لرسم خريطة طريق جديدة للحل النهائي في الصراع "العربي/ الفلسطيني" الإسرائيلي.
تبع ذلك، حالة من الجفاء في العلاقة مع السلطة الفلسطينية ثم تجميد صرف 125 مليون دولار كانت تجد طريقها في السابق لدعم الأونروا، ومن ثم حرمان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة من مساعدات قيمتها 200 مليون دولار.
اليوم تستعد إدارة ترامب للإعلان عن إلغاء حق العودة، وهو الحق الذي كفلته كل المواثيق الدولية للشعب الفلسطيني الذي هُجر عن أرضه قسرا، وبهذا الإعلان تكون الإدارة الأمريكية قد انتهت من أعقد ملفات الحل النهائي والمرتبطة أساسا بالقدس واللاجئين.
رئيس وزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان قد صرح غير مرة أن بقاء وكالة الأونروا يشكل خطرا وجوديا على "دولة إسرائيل"، باعتبار أنها الشاهد الحي على معاناة الفلسطينيين وأنها العنوان الأبرز لحقهم بالتعويض والعودة إلى ديارهم وأرض أجدادهم.
وبالتالي، فإن كل الإجراءات الأمريكية السابقة تأتي في هذا السياق الذي يتوافق تماما مع رؤية اليمين المتطرف في دولة الاحتلال، ما يعني أنه ليس هناك ثمة حاجة للإعلان عن بنود "صفقة القرن"، ذلك أن كل ما رشح من معلومات عن تلك الصفقة يتم تنفيذه على الأرض ومنذ سنوات عندما توسعت دائرة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وصولا إلى نقل السفارة وتدمير الأونروا والاستعداد للإعلان عن إلغاء حق العودة.
للأسف، وسط كل ذلك التدمير الممنهج للقضية الفلسطينية ولحقوق الفلسطينيين ثمة صمت عربي ودولي مطبق، إلا من الحراك الأردني الفلسطيني والذي يتحرك في كل الاتجاهات للتحذير من مغبة إلغاء وكالة الأونروا أو تقليص الدعم المقدم لها أو التحذير من خطورة اتخاذ قرارات مصيرية، كحق العودة والقدس، من طرف واحد ودون الالتفات إلى ما تم إنجازه من اتفاقيات.
إدارة ترامب ماضية في تنفيذ مشاريعها، وهي بعد كل ما فعلته، ليست مضطرة للإعلان المباشر عن صفقة القرن، طالما أن بنودها أصبحت واقعا على الأرض، وربما تنتقل قريبا إلى المرحلة الأخرى من الصفقة والمتعلقة بتوسيع قطاع غزة على حساب سيناء المصرية لخلق نواة دولة، قابلة بالحد الأدنى للحياة، وقد يدعم ذلك التحليل ما يرشح من معلومات عن توصل حركة حماس الحاكمة لقطاع غزة لهدنة طويلة الأمد مع الاحتلال الإسرائيلي.//