عامر الحباشنة
في سابقة هي الأولى في تاريخ باكستان وتجربتها الديمقراطية مند نصف قرن، يفوز حزب حديث النشأة، حيث فاز حزب حركة الإنصاف بقيادة لاعب الكريكت العالمي عمران خان بالانتخابات النيابية التي تشكل الجمعية العامة للحكومة الفيدرالية وبعض المقاطعات الرئيسية كالبنجاب وبفارق أصوات ومقاعد كاسحة امام منافسيه ، وهو ما شكل سابقة هي الأولي من نوعها في بلد عانى من ويلات الانقلابات العسكرية والأحكام العرفية لعقود، بلد سيطر على الحياة السياسية فيه طوال خمسين عاما - عدا فترات الحكم العسكري- حزبان رئيسان هما حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية المؤسس من قبل محمد على جناح مع تأسيس الدولة ،وحزب الشعب الباكستاني المؤسس من قبل ذوالفقار علي بوتو منذ سبعينات القرن الماضي، وقد شكل الحزبان ثنائية السلطة الديمقراطية بمشاركة أحزاب أخرى اقل اهمية، ومع فشل حزب الرابطة الإسلامية نتيجة الانقسامات وبعض المواقف نتيجة التحالفات المتكررة مع الانقلابات العسكرية وغياب القادة التاريخيين، بل وتحول الحزب لحزب العائلة بعد قيادة آل شريف منذ ثلاثين عاما، وكذلك الأمر بالنسبة لحزب الشعب الباكستاتي الذي ارتكز على ارث قائده التاريخي ذوالفقار علي بوتو وابنته بنازير لاحقا، وهو أيضا عانى من غياب القيادة التاريخية وإن لم يشهد انقسامات،
مع وصول الحزبين الرئيسين لحالة من الأفق المغلق بفعل الذاتي المتعلق بكل منهما والموضوعي المتعلق بدور باكستان الإقليمي والدولي، حيث لم تستطع الإستفادة من المتغيرات، بل دفعت ثمنا باهظا نتيجة المتغيرات السياسية التي كانت لاعبا رئيسا فيها وخاصة العلاقة مع الولايات المتحدة والقضية الافغانية، حيث خرجت باكستان من المولد بلا حمص، وهو ما اختصره الراحل ضياء الحق وهو حليفهم الرئيسي عندما لخص تجربته بالقول بأن التعامل مع الولايات المتحدة كالتعامل مع نافخ الكير، فهي اما تحرقك او توسخك، ونتيجة لهذا كانت الخاسر الأكبر في المشهد السياسي، مما انعكس على اداء التنمية والتطور والاستقلالية، اللهم إلا من بعض الفترات القصيرة التي دفعت ثمنها بقيادتها وشعبها، واستقلالها حتى وصل الأمر للقول بأنها الدولة التي تخاض على أرضها معظم مواجهات الأجهزة الاستخبارية دون عائد عليها.
نتجية لكل ذلك، وصلت نسبة الفقر والامية لأعلى مستوياتها وتوقفت عجلة التنمية التي بدأت سبعينات وتسعينت القرن الماضي ،فكان أن مل الناس تكرار الثنائية في بلد اعتاد احتكار السياسة والزعامة، لتخرج حركة إنصاف التي بدأت بواكيرها في العقد الأخير من القرن الماضي، حركة ذات طابع جماهيري شعبوي تستند في خطابها على رفض الاحتكار المطلق للعملية الديمقراطية، مستثمرة في حالة الفشل التي صاحبت تجربة الحزبين التاريخيين وغياب بديل لهما من الأحزاب الأخرى التي في معظمها تتمركز فى اقاليم محددة دون ان تصل لمرحلة أن تصبح عابرة للاقاليم. مثل الجماعة الإسلامية وحركة القوميين المهاجرين وحزب الشعب الوطني والحركة البلوشية وغيرهما،
في ظل هذه المعطيات، صعد عمران خان بحزبه وحركته الناشئة صعودا صاروخيا ليحصد ما يفوق نصف أصوات الجمعية العامة البرلمان الاتحادي وهو ما سمح له بتشكيل الحكومة منفردا، وهنا يكمن التحدي لهذا الحزب الجديد، فحزب الرابطة الإسلامية وهو المصنف كحزب من وسط اليمين بايدلوجية دينية اجتماعية منذ التأسيس، وحزب الشعب ذا الايدلوجيا الأقرب لليسار الإجتماعي، كلاهما يملك مرجعية فكرية، على خلاف حركة إنصاف الجديدة ذات الصفة الشعبوية الجماهيرية، وهذا هو مصدر التحدي في القدرة على إدارة الدولة والأجهزة التي اعتادت على تلك التحالفات والمجتمع المنهك بالفقر والاقطاعية السياسية المسيطرة على الاقتصاد ومفاصل الدولة ناهيك عن المؤسسة العسكرية والأمنية التي اعتمدت في فترات سيطرتها على العوامل والأدوار الخارجية،
لهذا، فإن أمام عمران خان فرصة في تغيير المشهد السياسي على الأرض واثبات الذات وان ما حصل ليس ردة فعل وعقابا من الجمهور الناخب لحزبي الرابطة والشعب، وتغيير المشهد يتطلب إعادة ترتيب أولويات الدولة وعكسها على أرض الواقع في أكثر من مجال واهمها، المجال الاقتصادي و العلاقات مع الصين والقدرة على التفاهم مع الهند والموقف من إيران وعلاقة ذلك بتطورات الوضع الأمني في افغانستان التي انهكت الباكستان طوال عقود طويلة، وهذا أيضا بمدى القدرة على المحافظة على التفاف الشارع الواقع بين سندان الواقع ومطرقة الابوية والاقطاعية السياسية والعسكرية لعقود خلت.
عمران خان، امام فرصة نأمل لها النجاج مع معرفة حجم التحديات، وقد تفضي لتحول جذري في السياسة الباكستانية في حال استثمارها وعدم الصدام المبكر مع قوى الأمر الواقع، والخطاب الأولي من قبل عمران خان حول الفساد والتنمية والاستقلالية يوحي بالتفاؤل، وغير ذلك ستكون زوبعة في فنجان باكستان التي اعتادت ودفعت الكثير نتيجة خيارات سياستها سابقا، فباكستان تستحق دورا إقليميا بما تملكه من مقدرات ومؤهلات وموقع جيوسياسي فاعل، فهل يقود عمران باكستان للعمران.
ولله الأمر من قبل ومن بعد//.