بلال العبويني
لا ينكر أحد أن ثمة حاجة دائمة لإنتاج قيادات جديدة للمجتمعات حتى تكون قادرة على تجديد ذاتها وإحداث نقلات نوعية في طريقة عملها، وحتى لا تسقط في لحظة تاريخية ما بالفراغ الذي سيربكها لا محالة.
في الأردن، سيطرت طبقة من القيادات على مقاليد العمل السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي ردحا من الزمن دون أن تفتح المجال لغيرها للتقدم ودون أن تترك حتى بصيص أمل لجيوش من الشباب بالحلم لتصدر المشهد.
المشكلة لدينا تتعدى السيطرة على العمل الحكومي، بل هي متجذرة بالمجتمع وبمؤسساته الأهلية، وعلى رأسها الأحزاب والجمعيات العامة، فتجد رئيس الحزب أو ما شابه ذلك؛ متمسكا بمنصبه إلى أن يتوفاه الله وكأن بطون الأمهات عاقرة عن إنجاب غيره أو من هم في مستوى نبوغه.
في لقاء جلالة الملك بالكتاب الصحافيين قبل نحو أسبوعين، والذي تشرفت أن أكون من بينهم، تطرق جلالته إلى ضرورة تقدم الشباب للمواقع الأمامية وإلى إعطائهم الأمل بذلك لفتح الباب أمامهم للتنافس لتقديم أفضل ما عندهم، وهي فكرة في غاية الصواب من أجل تجديد عروق الدولة وخلق قيادات قادرة على التعاطي حتى مع متطلبات العصر الحديث وما ينتجه من تطور تكنولوجي يحتاج إلى مهارات خاصة وطاقة مشتعلة لتنفيذ الأفكار الجديدة.
من الطبيعي أن تظل المجتمعات تتطور طرديا مع حركة وإنتاج أبنائها ومتأثرة بما تفرزه المجتمعات القريبة والبعيدة، وهذا التطور من الطبيعي أن تتفق معه طبقة اجتماعية ما وتعارضه أخرى تسعى للمحافظة على الأمر الراهن دون أي تغيير.
بل إن التغير من وجهة نظر هذه الطبقة يعد ضربا من العداء للموروث أو للمنجز أو انقلابا عليه، وكل من يتماهى معه ويدعو إليه يعد خصما يجب تكسير المجاديف أمامه لإيقافه وتحطيمه لمنعه من إنجاز ما يسعى إليه.
لذلك، فإن بقاء طبقة محددة من القيادات على اختلاف تخصصاتها متصدرة المشهد يعد تعطيلا للحياة وإمعانا في الجمود عند نقطة ما؛ متخلفة بذلك عن غيرها من المجتمعات التي تسعى دائما للتقدم نحو الأمام.
بالمطلق، ذلك لا يعني أن كل القيادات التقليدية غير قابلة للتطور أو فهم ما هو جديد، بل ثمة قيادات تقليدية أكثر سعيا نحو التجديد من الشباب أنفسهم، إلا أن التجديد في خلق قيادات جديدة يظل مطلبا لازم تحقيقه حتى تخلق الدولة مناخا تنافسيا بين الشباب والطامحين لتقديم أفكار إبداعية وخلاقة تستفيد الدولة منها وبما يسهم في تطورها وتقدمها.
حسب الإحصائيات، عدد الشباب ما دون عمر الـ 29 عاما في الأردن يبلغ 2.72 مليون من مجموع السكان البالغ 9.559 ملايين نسمة، وهؤلاء يحتاجون إلى نظرة مختلفة وجادة للاستفادة منهم ولتغيير النظرة الاجتماعية والرسمية إليهم على أنهم مجرد جيل في الانتظار.
الشباب يحتاجون من كل المؤسسات الحكومية والأهلية أن تفتح الأبواب أمامهم للتنافس على تقديم أفضل ما عندهم والتقدم إلى الأمام نحو المواقع القيادية ليجددوا بذلك وبشكل دائم عروق الدولة ومؤسساتها وطريقة عملها أملا في إيجاد الحلول المناسبة لكل ما نعانيه من أزمات مركبة ومتعددة.//