بلال العبويني
كثيرا ما ربط باحثون ومتخصصون في شؤون الجماعات الإرهابية بين ظاهرتي التطرف والإرهاب وبين التهميش والفقر والبطالة وغياب العدالة المجتمعية، وغير ذلك.
لكن، وعلى الرغم من أن ثمة أحداثا إرهابية سابقة أثبتت أن تلك الأسباب ليست وحدها المحرك الأساس لنزوع البعض نحو التطرف ومن ثم القيام بأعمال إرهابية تعبر عن ما يحملونه في دواخلهم من أفكار تكفيرية؛ إلا أن ثمة سؤالا يخطر في البال ونحن مازلنا نعيش على وقع حادثتي الفحيص والسلط الإرهابيتين اللتين ارتقى فيهما شباب شهداء وهم من خيرة جنود الوطن.
والسؤال باختصار، ما الذي قدمته الحكومات من أجل معالجة تلك الظواهر المجتمعية والتي تشكل خطرا جسيما على الدولة من عدة نواح أقساها وأكثرها إيلاما أن تفرز من هم جاهزون لتنفيذ عمليات إرهابية بعد اعتناقهم الأفكار المتطرفة والمشبوهة.
وإن كانت الحكومات قد قدمت ما يمكن الإشارة إليه لمعالجة تلك الظواهر، لماذا ما نزال نرى نزوعا باتجاه التطرف والتكفير إلى الحد الذي أصبحنا نتحدث فيه عن أشكال جديدة من التطرف والإرهاب عبر خلايا أو ما يشبه الخلايا تعمل من تلقاء نفسها وليست مرتبطة بأي من التنظيمات الإرهابية التقليدية.
هذه الأشكال الجديدة من التطرف تكمن خطورتها في صعوبة التعرّف على أفرادها إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الرأي الذي يقول إن أفراد تلك الخلايا ليست لديهم سوابق جرمية أو ليسوا من المشبوهين بأي شبهة سواء أكانت جنائية أو فكرية.
إن من المعلوم أن معالجة التطرف ليست أولوية الأجهزة الأمنية فحسب، ذلك أن الأجهزة تقوم بواجبها إذا ما توفر الشك بفرد أو مجموعة لإجراء عمليات البحث والتحري إلى حين التوصل لخيوط تستدعي القبض عليهم وإدانتهم عبر المحاكم إذا ما ثبت عليهم ما يدينهم.
غير أن مكافحة الفكر التكفيري والمتطرف يحتاج إلى عمل جماعي تشارك فيه جميع مؤسسات الدولة الأهلية والرسمية، ويحتاج من الحكومات إلى القيام بدورها عبر معالجة ما يضعه المختصون أمامها من أسباب نزوع الشباب نحو التطرف والتشدد.
قلنا في مقال سابق إن كثيرا من المؤسسات تحتاج إلى إجراء مراجعات حقيقية لطريقة تعاملها مع الظاهرة من ناحية مدى جدوى الأدوات التي تستخدمها لإشاعة الخطاب الوسطي في مقابل الخطاب التكفيري المتشدد مثلا.
بل إننا اليوم نحتاج إلى أن نجري مراجعات حقيقية لما لدينا من استراتيجيات لمكافحة التطرف والإرهاب، وأن نؤشر على بواطن الخلل لمعالجتها أو تطويرها بحيث تتلاءم مع الهدف من إنشائها في مكافحة التطرف والإرهاب، ونحتاج إلى أن نوسع الدائرة لتشمل أسبابا أخرى تدفع إلى التطرف غير تلك المتعلقة بالفقر والبطالة والتهميش.
لكن، بما لدينا من أسباب تشجع على التطرف مثل البطالة والفقر والتهميش تحتاج من الحكومات أن تعمل على معالجتها على أرض الواقع لا على الورق، من أجل أهداف آنية كنيل ثقة البرلمان أو خلاف ذلك.
للأسف، في كثير من الأحيان لدينا القدرة على التشخيص وتبيان الأسباب الحقيقية لظاهرة ما، كظاهرة التطرف، بيد أن المعالجات غالبا ما تكون ناقصة أو لا تتناسب مع دقة التشخيص.//