العالم يحترق!
د. أيّوب أبو ديّة
لم تشهد اليابان منذ العام 1800 عندما شرعت توثق درجات الحرارة على صعيد وطني أن شهدت ارتفاعاً يصل إلى أكثر من 41 درجة مئوية كما شهدته هذا الصيف، حيث توفي العشرات وأدخل إلى المستشفى عشرات الآلاف نتيجة الحر المفرط؛ ومن المتوقع أن تستمر هذه الموجة الحارة لبضعة أيام أخرى. وكانت مدينة Kumagaya قد سجلت أقصى درجة حرارة والتي بلغت 41.1 درجة مئوية أي ما يعادل 106 فهرنهايت، ومما يزيد في الأمر سوءا ارتفاع نسب الرطوبة أيضاً في هذه الفترة من السنة.
وقد اجتاحت هذه الموجة الحارة اليابان بعد أن ضربت عواصف مطرية شديدة خلال الشتاء الماضي لم تشهدها الجزيرة من قبل، وقد أدت إلى حدوث فيضانات وانهيارات ترابية في غرب الجزيرة ووسطها والتي قتلت أكثر من 220 شخصاً. ولم يترك هذا التغير المناخي الملحوظ مجالاً للشك بأثر ظاهرة الانحباس الحراري وجعل الحكومة في قلق شديد وبخاصة في ضوء استضافة اليابان الألعاب الأولمبية في عام 2020 خلال شهري تموز وأب.
ولم تقتصر هذه التغيرات المناخية على اليابان فقط، فقد أثرت على جنوب شرق أسيا أيضاً حيث سجلت درجات عالية جداً في كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية وصلت إلى نحو 40 درجة مئوية، وترافق مع هذه التغيرات تعرض الدولتين إلى جفاف شديد الأمر الذي أدى إلى اشتعال النيران وامتدادها على نحو غير مسبوق، كما حدث في اليونان في تموز من عام 2018 وقضى العشرات من السكان حتفهم وقدرت الخسائر بالمليارات.
كذلك امتدت الموجة الحرارية إلى الشمال لتصيب الدول الاسكندنافية حيث ارتفعت درجة الحرارة إلى أكثر من 32 درجة مئوية في بعض المناطق حيث أدت نشوب حرائق واسعة في السويد والتي بدورها طلبت مساعدة من الاتحاد الأوروبي، فهرعت إيطاليا لنجدتها. كذلك تعرضت بريطانيا إلى أسوء صيف جاف في تاريخها وعانت من درجات حرارة مرتفعة غير مسبوقة.
وفي الوقت نفسه وصلت درجة الحرارة في صحارى شمال إفريقيا وبخاصة في منطقة ورقلة Ouargla في الجزائر، حيث وصلت درجة الحرارة يوم الخامس من تموز نحو 51.3 درجة مئوية (124 فهرنهايت) وهي من أعلى الدرجات المسجلة في تاريخ القارة الإفريقية، باستثناء بعض مناطق في ليبيا سجلت درجات حرارة أعلى.
كذلك تعرضت مناطق شرقي كندا إلى درجات حرارة مرتفعة غير مسبوقة؛ وفي الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً وبخاصة في دالاس حيث وصلت فيها درجة الحرارة 43 درجة مئوية. إن كل الدلائل تشير إلى تغير متسارع في درجات الحرارة علماً بأن هذه الحرائق المرتبطة بالتغير المناخي تؤدي إلى زيادة نسبة الغازات الدفيئة في الجو على نحو لم يكن متوقعاً سابقاً، وبالتالي يبدو أن هناك تسارعا في تعمق الأثر المناخي لأن انجراف التربة والتصحر وذوبان الثلوج كلها عوامل تؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة وزيادة شديدة الأعاصير وتعمقها، حيث أظهر عام 2018 أنه أدفئ عام لأعاصير La Nina التي تم تسجيلها في التاريخ.
وقد صرح مركز التنبؤ المناخي NCAP في تقريره بتاريخ 23 تموز 2018 أن درجة حرارة المياه السطحية للمحيط الهادئ تجاوزت معدلها بدءَاً من مطلع شهر حزيران 2018 فيما حافظت على هذا الصعود التدرجي عن المعدل بعدها، الأمر الذي زاد من سرعة الرياح وشدة الأعاصير ورفع من مقادير الضغط الجوي، وأيضاً من المتوقع أن يسهم في تغير اتجاهات الرياح مما سوف يعقد الخارطة المناخية للعالم ويجعلها أصعب قدرة على التنبؤ.
ختاماً، من الواضح أن الأمور المناخية تزداد تعقيداً وسخونة يوماً بعد يوم، وأن التغيرات في نسبة الغازات الدفيئة في الجو وارتفاع درجة حرارة المياه السطحية للبحار والمحيطات وازدياد شدة الرياح وتغير اتجاهها، كلها عوامل من شأنها أن تغير من طبوغرافية العالم وديمغرافيته ومناخية التربة السطحية واستقرارها وحجم الحياد البحرية في المحيطات، وبالتالي سوف تؤثر على كافة العناصر الحية في البحر وعلى اليابسة في الأمد القريب المنظور، وذلك إذا لم نتخذ إجراءات حقيقية، ليس فقط بالالتزام باتفاقية باريس 2015 بل أيضاً بالتوصيات بخفض إنتاج الغازات إضافة إلى ما اتفق عليه، بحيث لا يكتفي العالم بالتوقف عند انتاج 55 جيجاطن سنوياً من ثاني أكسيد الكربون المكافىء بل يخفضها إلى 40 جيجاطن سنوياً بحيث لا يزيد معدل ارتفاع درجة الحرارة في الغلاف الجوي عن 1.5 درجة مقارنة بما كانت عليه في نهايات القرن الثامن عشر.//