زاوية سناء فارس شرعان
قلقيلية … وغابات الجوافة … !!!
تستعد مدينة قلقيلية في الضفة الغربية المحتلة لاقامة المهرجان السنوي للجوافة لعرض مختلف انواع هذه الفاكهة وترويجها وتسويقها في الضفة الغربية ودول العالم باعتبار هذه الفاكهة اللذيذة من اشهر النباتات التي تجود زراعتها في هذه المدينة.
وليست قلقيلية وحدها التي تقيم مثل هذا المهرجان وانما تقيم مختلف مدن وقرى فلسطين مهرجانات للنباتات التي تشتهر بها كل مدينة … فقبل اسبوع اقامت بلدة نعلين مهرجانا للتين الشوكي التي تجود بزراعته والذي يعرف باسم «الصبر» وتشتهر اريحا بالموز والعديد من القرى بالزيت والزيتون والقدس بالصناعات الخشبية وتحديدا من خشب الزيتون … وتشتهر الخليل بالعنب ومدن الساحل ببيارات البرتقال وتشتهر نابلس بصناعة الصابون من زيت الزيتون وتعرف الاغوار بالتمور الفاخر …
ورغم انني لم اذهب الى الضفة الغربية منذ احتلالها عام ١٩٦٧ بصفتي ارفض التطبيع مع الكيان الصهيوني رغم ان هذا الموقف حرمني من زيارة المسجد الاقصى، الا انني زرت قلقيلية منذ زمن طويل وذلك من خلال رحلة مدرسية قام بها طلبة مدرسة الزرقاء الاعدادية لكلية خضوري الزراعية في طولكرم ولما كان مدير المدرسة وعدد من المدرسين من قلقيلية فقد شملت الرحلة قلقيلية بالاضافة الى طولكرم …
وصلنا قلقيلية بعد الغروب ونسيم البحر الابيض المتوسط يحمل عبق الجوافة مسافة تزيد عن عشرين كيلومترا … ويقال ان نسيم البحر يصل خلال ساعات الليل الى اكثر من مائة كيلومتر … تناولنا العشاء والشاي ثم تجولنا في شوارع البلدة التي كانت انذاك قرية صغيرة لا يزيد سكانها عن اربعة آلاف نسمة وشوارعها غير معبدة الا قليلا ثم ذهبنا الى المدرسة حيث قضينا ليلتنا.
وفي صباح اليوم التالي توجهنا الى كلية خضوري الزراعية في طولكرم ومشينا مئات الامتار في حدائق الكلية وبساتينها بطريقة يبدو انها ازعجت عميد الكلية الذي عاتب الحراس لأنهم سمحوا لنا بالدخول الأمر الذي اغضب مدير مدرستنا فاوعز لنا بمغادرة المكان فورا دون زيارة الكلية رغم انها كانت الهدف الرئيسي لرحلتنا الى الضفة الغربية…
وهكذا عدنا الى مدينة الزرقاء الاردنية دون التجول في طولكرم او زيارة الكلية … الا ان سوء التفاهم مع عميد كلية خضوري لم ينسنا قلقيلية وعبق اشجار الجوافة الذي لا يقتصر على البلدة وانما يشمل وسط الضفة الغربية باسرها … كما لم ينسنا طيبة اهلها وكرمهم وحبهم للضيف والزائر مهما كان المكان الذي قدم منه وكلما وجدنا طالبا في قلقيلية او عابر سبيل ونسأله عن مكان حتى يرافقنا الى مقصدنا ويدلنا على هدفنا باريحية تامة ونادرة…
لم ازر قلقيلية فيما بعد فكانت هذه الزيارة الوحيدة لها التي لم تستغرف سوى بضع ساعات … اما طولكرم فقد زرتها بعد ذلك وتجولت في ارجائها واكتشفت معالمها ملامحها التي لا تزال عالقة في ذهني …
قلقيلية عندما زرتها كانت قرية صغيرة لا يزيد عدد سكانها عن اربعة آلاف نسمة ولم تكن مكتظة بل ان منازلها تنتشر بين اراضيها الزراعية وكلما سرت في شارع او حول دوار او حول مدرسة تجد العشرات من اشجار الجوافة التي تدلك عليها رائحتها الاخاذة وثمارها اليانعة …
الآن تطورت قلقيلية واصبحت مدينة كبيرة بل اضحت احدى محافظات الضفة الغربية ورغم ان شوارع المدينة وبناياتها لم تعلق بذاكرتي لأن زيارتها كانت ليلية الا ان عبق الجوافة لا يزال عالقا في حواسي خاصة وان نسيم البحر المتوسط يحمل هذا العبق مسافات بعيدة تتجاوز حدود دول الجوار الفلسطيني … !!!