الرزاز.. افكار رجل ثوري خارج السلطة
وليد حسني
بانتظار ان يقدم الرئيس المكلف د. عمر الرزاز بيان حكومته لطلب ثقة مجلس النواب غدا الإثنين فإن من الواضح ان عقيدة الرزاز الإصلاحية تنبني على عنصرين أساسيين هما رفض فكرة "الإصلاح" واستبدالها بفكرة"التحول" فهو يؤمن ان المجتمع العربي عموما ــ والأردن منه بطبيعة الحال ــ تجاوز مرحلة الإصلاح ولم يعد بالإمكان العودة للوراء، وحتى يتطور المجتمع اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا فإنه عليه الدخول في مرحلة تتجاوز وبالضرورة مرحلة الإصلاح" التي فشلت تماما".
في خطاب التكليف السامي كانت فكرة "العقد الإجتماعي " حاضرة بقوة، ومن المؤكد ان الرئيس المكلف سيتحدث عنها في خطاب طلب الثقة غدا، بعد ان كررها في خطاباته اكثر من مرة خلال الفترة الماضية.
ولم تتضح ماهية هذا العقد الإجتماعي الجديد الذي يرغب السيد الرئيس بتحقيقه، فهو لم يتكفل بتقديم شروح وافية لتجلية هذا المفهوم الجديد الذي يتزامن وبالضرورة في فكر د. الرزاز مع قيم التحول بديلا عن قيم الإصلاح، وهنا تبدأ المعادلة بالافتراق بين ما يود الرئيس قوله حول دولة ما قبل الحداثة ام دولة ما بعد الحداثة؟ وهل يرى ان المجتمع الأردني وكل ما يحيط به من ظروف داخلية يمكنها ان تشكل أرضية خصبة لتقبل فكرة التحول مقابل فكرة "التكيف" التي دعت الحكومة السابقة اليها، وكانت للأسف دعوة مفاهيمية منقوصة أرادت الحكومة السابقة منها إجبار المجتمع على التكيف مع الواقع الاقتصادي الجديد دون ان تطالب الحكومة نفسها بالمبادرة للتكيف، وهكذا وجد المواطن نفسه يتكيف مضطرا مع حزمة موجات الغلاء والضرائب ليكتشف نفسه محتجا على الدوار الرابع.
مفهوم التحول لدى الرزاز هو تحول الدولة من الريعية الى دولة الإنتاج، وما يتبع ذلك من تحول في ثقافة وسلوكيات المجتمع وافكاره، هنا يؤمن الرزاز تماما بان الدولة عليها التوقف وربما التوبة عن شراء الولاءات ودعم الموالين واستقطاب ذمم العشائر والقبائل والاقليات من خلال المنح والحوافز والعطايا بما في ذلك بالطبع تسمين القطاع الوظيفي في القطاع العام في الدولة، وحمل هؤلاء الأشخاص الى المراتب الوظيفية العليا" إنتاج مسؤولين غير مؤهلين" في غياب معايير الكفاءة والنزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص والمنافسة، والمساواة أمام القانون والدستور.
هذا هو مفهوم التحول الإيجابي الذي يتحدث الرزاز عنه حين كان خارج السلطة تماما في دراسته" من الريع الى الإنتاج..الطريق الصعبة نحو عقد اجتماعي عربي جديد"، وهو كلام في غاية الأهمية والإيجابية يستدعي وبالضرورة ان يحدث تحول ثوري في عقل الدولة لتقبل صيغة هذا التحول، وهنا تبرز إشكالية قراءة مدى مؤهلات الدولة لتقبل هذه الأفكار وتبنيها وتطبيقها؟ وهل يمكن للدولة ان تتخلى عن سياسة الإستقطاب وبناء الولاءات على حساب معايير الحكم الشفاف "الحوكمة الرشيدة"، وبالتالي المباشرة بتحول فكر الدولة أولا ، قبل تحول سلوك وفكر المواطنين.
مرحلة التحول التي يبني د. الرزاز مشروعه الفكري على أساسها توجب ان تشكل الأرضية التي يستند عليها الوصول الى عقد اجتماعي جديد، فهذا العقد لا يمكن له التحقق دون ان تكون الدولة والمجتمع قد قطعا شوطا كبيرا في مرحلة التحول، وإعادة بناء العلاقة بين الدولة والمجتمع على أساس الإنتاج وليس على اساس دولة الرعاية " لننظر بجدية الى مفهوم الراعي والرعية التريثي".
هنا تبرز معضلة إستكشاف مدى نجاح مشروع د. الرزاز، فكل الوقائع تشير ضمنا الى ان الدولة الأردنية لا يمكنها تحت أي ظرف مغادرة مربع الدولة الريعية، والتخلي عن الاستقطاب الريعي في سبيل بناء مجتمع جديد فكرا وسلوكا وصولا الى عقد اجتماعي جديد حدد د. الرزاز قواعدة ومراحله بسبعة أركان رئيسية تركب بعضها بعضا وهي، من الاستبداد إلى التحول الديمقراطي وفصل السلطات، ثم من سلطة الريع إلى حاكمية الثروة الوطنية والمال العام، ومن الاقتصاد الريعي إلى الاقتصاد الإنتاجي، ومن التهميش إلى التشغيل، ومن عنصر بشري مذعن إلى عنصر بشري خلّاق، و من محاصصة الريع إلى توزيع الدخل والحماية الاجتماعية، واخيرا من تشرذم سيادي عربي إلى تكتل سيادي عربي.
ولن اتوقف هنا عند شروحات وتوضيحات د. الرزاز لكل ركن من تلك الأركان السبعة بانتظار الإستماع إلى خطابه غدا، ولكن من المفيد التعريج على ما يعتقده الرئيس المكلف في الدولة التي يطمح بالوصول إليها.
يقول د.الرزاز"الدولة التي نريد هي تلك التي تستمد شرعيتها وسلطتها من الشعب، التي تلتزم بالأسس الديمقراطية في التمثيل وتداول السلطة وفصل السلطات. هي الدولة التي تحمي الثروات الوطنية، وتُعظم قيمتها للأجيال القادمة. هي الدولة التي تستخدم مصادر الريع من نفط أو مساعدات في بناء وإعادة هيكلة الاقتصاد باتجاه الاقتصاد الإنتاجي المتنوع والمستدام، تبني ثقافة العمل والإنتاج والإبداع بين مواطنيها، تقدم إليهم مستويات متقدمة من الخدمات والحماية الاجتماعية، توزّع الدخل بعدالة، تنشّط على المستوى العربي والإسلامي والدولي لتحمي مصالح شعبها وتحقق تطلّعاته في زمن التكتلات الاقتصادية السياسية ".
هل يمكن ان يضمن الرئيس المكلف د. عمر الرزاز بيان حكومته غدا بمثل هذه الطموحات والأحلام؟ أم انه سيترك كل فكره خلفه ويعود للمربع الأول، مربع الحديث المكرور عن الإصلاح، ويهجر فكرة التحول، وينكص مقدما خطابا مستهلكا يقول فيه كلاما عن العقد الإجتماعي دون ان يجرؤ على إعادة طروحاته السابقة؟؟..
ثمة أسئلة في محطة الإنتظار على د. الرزاز الوصول اليها في الوقت المناسب، وكمواطن لا أملك غير الإنحناء لأفكار السيد الرزاز في دراسته، لكنني سأبقى في مربع التخوف والحذر والترقب..
وبالنتيجة نحن بحاجة لرئيس وزراء يتحدث في مشاريع عمل تنبني على افكار تنويرية تعيد انتاج الدولة والمجتمع من جديد، فهذه حكومة الضرورة، وللضرورة احتياجاتها، ولها ان تقذف في وجوهنا كامل افكارها التي تتمرد فيها على الخطاب التقليدي.. حتى نتمكن كمواطنين اولا وأخيرا من الإرتكاز الى حكومة بفكرة، والى حكومة مثقفين لا إلى حكومة موظفين.//