لدى الحكومة فرصة تاريخية في التقدم، ليس فقط في إعادة النظر بمالية الدولة وترتيباتها، وهو أمر قد يراه الناس غير مناسب، وبالضرورة تكون القرارات غير شعبية فيه، لكن أي وفر يتحقق في المال العام وأي تقليص للدين العام، وأي ارتفاع في عدد المستثمرين وجذبهم، هو انجاز يكون في صالح الدولة وفي الأداء الحكومي، بعدما تعود الناس على ارتفاع غير مسبوق للدين العام مع الحكومات السابقة وترحيل للمستثمرين او الشكوى من التعقيدات. فرصة الحكومة هي صناعة العدالة، في تفقد الخدمات وانصاف الناس في إيصال ذوي الكفاءة للمواقع أو الانصات لهم في مطالبهم المعيشية.
الظروف الاقليمية الضاغطة، وتأثر الشارع بقرارات الحكومة الاقتصادية، وصعوبة الظرف الراهن في هندسة الاقتصاد يرمي بكل الصعوبات على الحكومة، لكن السؤال كيف يكون التجاوز لكل التحديات؟ تكون مواجهة العتب والغضب الشعبي ليس في الرد على انتقادات الناس بحبسهم والتهديد برفع القضايا عليهم؛ وربما كانت الانتقادات كبيرة على رئيس الحكومة لكنه ظلّ واسع الصدر وتحمل النقد بشكل لافت، في حين نجد أن بعض المسؤولين او النواب حين يوجه لهم النقد يذهبون في اليوم التالي لرفع القضايا.
مواجهة غضب الناس لا تكون برفع القضايا عليهم، بل تكون بالمزيد من التواصل معهم واقناعهم بأنهم محل اهتمام الدولة، والحكومة بحاجة أيضا لهذا التواصل والاشتباك مع الناس ايجابيا بحوار جدي، والناس حين يرون التواصل والتفقد للمرافق العامة والخدمة فيها تكون النتائج ايجابية بالضرورة، ولا يطلب الناس من الحكومة شيئا فوق طاقتها، لكنهم حين يرون انها لا تحاورهم او تصلهم يحدث الجفاء.
اليوم يتحرك الناس نحو النقد والغضب، ويجب ان يتحرك الفريق الحكومي نحو الحوار وتفقد الخدمات العامة وفرض القانون على المخالفين، وزيارة المدن ومرافق الخدمة العامة، والاطلاع على مستوياتها، بمعنى أوضح إن متابعة عمل مستشفى حكومي أو مدرسة في الكرك او المفرق او الطفيلة او الكورة او عجلون، وشعور الناس بأن هناك متابعة حثيثة لتكون الخدمات الصحية أو التربوية أفضل؛ هو أمر يصب في صالح الحكومة ومستوى رفع الثقة فيها شعبيا.
والقول بأن الحكومة لا تحتاج للشعبيات، هذا أمر غير صحيح، إذ إن الرضى الشعبي مهم لأي حكومة، ورئيس الحكومة هاني الملقي تحدث مرارا عن مسألة مهمة في سبيل استعادة الثقة، وهي العدالة في الوظائف العامة وتقييم المسؤولين والحرص على وضع الفرص أمام مستحقيها؛ وهذا أمر يصيب الناس بالشعور باحساس أفضل وقناعة بأن ثمة زمنا مختلفا وثمة امكانية لرؤية الأفضل.
أخيرا أن يأتي وزراء لكفاءتهم وسيرتهم الطيبة في العمل والعلم، فهذه بارقة أمل بالعدالة، فمجيء وزير الشؤون القانونية في التعديل الحكومي، الذي أعرف كيف بدأ حياته العلمية وقد سكن في قريتنا الثنية أواخر الثمانينيات، وكان موظفا في وزارة الداخلية، وكيف درس مسائيا في جامعة مؤتة، ثمّ تقدم لاحقاً في دراسة الماجستير وتحصل بعدها على الدكتوراه من مصر بتقدير مشرف، ثم تعين في الجامعة الأردنية وفيها ترقى بضعف النقاط العلمية في القانون الإداري، وهو ابن قرية بسيطة، فهذا انجاز في عدالة الفرص؛ فشكرا لرئيس الحكومة هذا الخيار للدكتور احمد علي العويدي وزيرا للشؤون القانوينة، الأمر الذي اعاد لنا الشعور بأن لكل مجتهدا نصيبا.
وأن رافعة المال والجاه والمحسوبية على فريق بعينه ليست السبيل الوحيد لوصول الناس للموقع المستحق، بل قد يأتي من ينصف الأفراد في سعيهم ودأبهم وجهادهم في الحياة.