في التواصل مع ألوان الطيف السياسي في الأردن تسمع من الجميع انتقادات سقفها السماء «لا تبقي ولا تذر» ، ويٌشعرك المتحدث أكان جالسا في كرسي « الولاء الموسمي» أو « المعارضة الموسمية» ، واستخدم هنا مصطلح « الموسمية» لان أغلبية النخبة السياسية الأردنية الحالية والتي هي صناعة عقد من الزمان أو أكثر قليلا هي صناعة « ظرفية « سلقت سلقا ولم تطبخ على نار هادئة « وبالتالي لم تأخذ فرصتها من النضج المطلوب ، يُشعرك هذا المتحدث بأنه يملك مفاتيح الحل للازمات التي يمر بها الأردن أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وأحيانا ينسى نفسه ويُنظر بالفكر الاجتماعي والفلسفة ، ويصر على استخدام تعابير ومصطلحات سياسية وفكرية واقتصادية لا يدرك معانيها ، وبالأغلب فان المتحدث ينهي محاضرته المضحكة والمليئة بالتناقضات على غرار التناقض في المثل المصري الشهير « سمك ، لبن ، تمر هندي « قائلا: انه لو عُرض علي منصب وزاري أو رسمي فاني سأرفضه ولن اقبله.
ويبرر رفضه « الافتراضي» بوجود ما يسميه كوابح في منظومة الدولة تعرقل تطبيق أجندته أو ستفشلها ، ونتفاجأ وبغفلة من الزمن بظهوره على شاشة التلفزيون « يقسم اليمين» بعد أن عُين وزيرا أو مديرا عاما أو عينا.
وفي الأشهر الأخيرة ومع الكثرة غير المسبوقة في التعديلات على الحكومة الحالية بات السؤال « المختُمر» في ذهني هو التالي: هل يُجرى الوزير المقترح او المسمى للمنصب حوارا معمقا مع الرئيس قبل قبوله المنصب ؟
وهل يتم الاتفاق بين الاثنين على أجندة عمل واضحة ومحددة ؟ ، أم أن أجواء السعادة الغامرة لبعض الوزراء الذين دخلوا الوزارة لأول مرة وكذلك وزراء « الصدفة أو وزراء الدفع الجغرافي أو الديمغرافي « الذين لم يتوقعوا العودة لها مرة ثانية تنسيهم تماما أنهم جزء من الولاية العامة وان عليهم مسؤوليات يجب القيام بها والتقيد بالقسم والواجبات الوطنية ؟؟
في اتصالاتي مع نماذج مختلفة من الطبقة السياسية الموالية « إلى حين « أو المعارضة « إلى حين « لم احصل من أي منهم على إجابة واضحة ومقنعة تفيد بأنه حاور رئيس الوزراء الذي اختاره بصورة جدية وعميقة ، لا فيما يتعلق بطبيعة مهمته ولا بشان برنامجه العملي ، بل اعترف الأغلب منهم وفي ظل اتفاق بيننا
( بعدم النشر على لسانه ) ان همهم كان في لحظتها هو الاتصال بالزوجة أو بالأب أو بالأخ الأكبر أو بشيخ العشيرة لتأكيد « خبر الوزرنة « و بأنه بات احد أصحاب المعالي.
وفي الاستنتاج تكرست لدي قناعة بأن رئيس الوزراء أيا كان بات يتعامل مع الوزير المُعين بصفته « موظف» لديه ليس أكثر من ذلك ، وان الوزير بات يتقبل هذه الحالة خلافا للفهم الدستوري للمنصب الوزاري.
ومن رحم هذا الواقع ولدت التشوهات السياسية في الحالة العامة والمتمثلة بما يلي :
أولا: فقد المنصب الوزاري تحديدا ، وبعض المناصب العامة صفتها السياسية وتحولت لمناصب « لموظفين «.
ثانيا: فقد المنصب الوزاري قيمته كسلطة سياسية–قانونية – فنية ، فيما تكرس هذا المنصب كقيمة وسلطة اجتماعية ذات حضور براق او سلطة ذات نفوذ مجتمعي وهو اعتبار بات غاية أساسية لكل الطامحين بالمنصب.
ثالثا: أنتج هذا الواقع للسلطة التنفيذية ، سلطة تشريعية على هذا المقاس بل اقل منه « اعتباريا « ، سلطة ليست على تماس حقيقي مع الشعب والذي هو مصدر السلطات ، واليوم باتت هذه السلطة التشريعية متهمة بأنها تفكر بمصالحها وامتيازاتها ولا تفكر بحال الجمهور الذي يعاني من الظروف الاقتصادية الصعبة للغاية.
إن الأزمة باتت « بنيوية» والحل يبدأ في إبعاد المناصب الوزارية و المناصب العامة عن « الترضية والمحاصصة سواء الديمغرافية منها أو الجغرافية « او الشللية وغيرها من الاعتبارات ، وتكريس نهج تكافؤ الفرص والعدالة بكل شيء وبين كل المكونات الوطنية.
والسؤال هل نستطيع ام لا ؟؟؟
Rajatalab5@gmail.com
الرأي