المسافة شاسعة ما بين المرابطين والمقاومين على الاراضي الفلسطينية المحتلة والمتفرجين في ارجاء العالم،ومنهم العربي على شاشات التلفزيون ينتظرون بمشاعر مشاهدي الدراما سقوط مزيد من الشهداء والمصابين ووقوع مجازر جديدة.
المسافة ليست جديدة، والوجدان الشعبي المستسلم لجرعات دعائية وترويجية موجهة من انظمة سياسية بأن اسرائيل عدو ولكن يجب التعايش معه، اسرائيل عدو وحجم التبادل التجاري معه يفوق جموع الدول العربية، ولأننا أضعف فيجب الارتهان لمبدأ التعايش، والعلاقات التجارية وغيرها تتضخم وتتضاعف من أمام استعراضات لـ»بالونات « اختبار « قوة التطبيع».
ثمة مفارقة عجيبة ولافتة فكل شيء في المنطقة لم يعد طبيعيا الا اسرائيل، الكيان المنبوذ الباحث عن اعتراف وخطة زرع اضافية على خرائط» سايكس بيكو « تحول الى معترف به بالسر والجهر، والاهم واقعيا أن المشكلة ليست بالاعتراف به او من عدمه، ولكن في التعامل وكأن اسرائيل لم تعد عابرة، ولتبدو في حصنها الحصين،وكأنها الشيء المستقر والاكثر امانا وسط محيط من اقليم مليء بالعبث واللاقانون والفوضى والحروب المفتوحة.
نائب الرئيس الامريكي مايكل بنس سيزور المنطقة خلال الشهر الجاري، ترى ماذا في جعبته وهل ستكون مزعجة للبعض؟ بعد اعلان ترامب القدس عاصمة لاسرائيل، لا يعرف ما هو المهم لدى الادارة الامريكية، وماذا قد تجلب من مشاريع وافكار جديدة للمنطقة والصراع الفلسطيني -الاسرائيلي. بانتظار «العجب والعجاب»، فلربما ما هو آتٍ أكثر غرابة، فالانتظار العربي والترحيب بترمب قد جلب ضياع القدس، فما المقبل إذن؟ معادلة السلام العربي- الاسرائيلي لم تعد تنطوي على الدول الموقعة لاتفاقيات سلام مع اسرائيل، فالدائرة واسعة، ولم يعد هناك الا القليل عربيا لا تربطه باسرائيل علاقات سلام وتعاون وتبادل تجاري وامني وغيرها، سلام موسع لربما المستشنى منه الشعوب العربية المغلوبة على أمرها.
وأكثر ما هو لافت في صياغة مبادرات الصلح الجديدة بقدر ما تعني تحقيق مزيد من الامان لاسرائيل وحدها، فلا حديث في» صفقة القرن» وغيرها عن مصير اللاجئين وترسيم الحدود لدولة فلسطين ولا إنهاء الاحتلال بمعناه السياسي والعسكري والعقائدي، وطبعا القدس ضاعت وباتت خارج حسابات أي مشروع للتسوية.
وفي رد الفعل العربي الصاخب على قرار ترمب بدا العرب أكثر انزعاجا من أنفسهم، حيث حل نوع غريب من الصمت الغامض ازاء توجيه خطاب ممانعة ومقاومة للمصالح الامريكية والاسرائيلية سياسيا ودبلوماسيا وتجاريا وامنيا.
فكيف تفهم بروغاندا حكومات عربية في موجة ردة فعلها لقرار ترمب، وهي في الوقت نفسه تتوسل لأي سلام دافىء وبارد ناعم مهما كان ملمسه، البحث العربي عن السلام يعني أن هناك فاتورة «امان « لا بد ان تدفع لاسرائيل .
مفارقة لم تعد مدهشة، اصبحت امرا واقعا وطبيعيا يصاحب صراعا قديما للبقاء، ومعنى قديما، أي ان دعوة الحرب لا تلقى رواجا والسلام لا يغري غير بعض الحكومات، وكلاهما لم يعد قادرا على تقديم فقرة سحرية أو وعد بمعجزات.