لا يعرف الشوق إلا من يكابده، ببساطة هذا هو التعبير الدقيق الذي يصف الموقف الاردني من القدس بعد قرار الرئيس الاميريكي بالاعتراف بها عاصمة ابدية للكيان العنصري ونقل سفارة واشنطن الى هناك، فأول ارتداد لهذا القرار هو يهودية الدولة، حتى لا نجامل ولا نقرأ الامور بعين التواطؤ والعجز السائدين في العواصم العربية، ولعل هذا الهاجس الحقيقي اكثر ما اقلق الملك عبدالله ودفعه الى اعادة تدوير الزوايا السياسية للديبلوماسية الاردنية، والتي بدأت تثمر في انفتاح ابواب عربية كانت مواربة ولا نقول مغلقة رغم ان الثانية اكثر تعبيرا للواقع امام الهواجس الاردنية.
يهودية الدولة التي يجلس قرارها في حضن الكنيست الصهيوني كانت الخطوة التالية، فلكل فعل رد فعل مواز له في القوة ومواز له في الاتجاه حسب الفيزياء السياسية، التي لا تعترف بالفيزياء الطبيعية، فالحالة العربية المكشوفة للجميع، هي اللحظة التي ينتظرها الكيان العنصري لحسم الجولة النهائية في الصراع بالضربة القاضية، فالعواصم العربية استبدلت العدو الصهيوني وباتت ابوابه مشرعة له وحضنه بالتأكيد مفتوح لهم، والزيارات السرية باتت علنية وفي وضح النهار رغم القرار الامريكي الذي اثار كل الشعوب وكل الشوارع علنا وربما اربك عواصما بسرعته وتوقيته.
كان الفضاء المجاور ضيقا على الاردن ان لم نقل مسدودا امام الفهم للتحذيرات التي اطلقها الملك كثيرا وطويلا، فجاءت الخطوة الملكية باعادة تدوير الزوايا والانتقال الى فضاء اوسع، قابل للتحذيرات ومتفهم لها ولتداعياتها، فجاءت الزيارة الى تركيا والاتصالات الهاتفية مع المجموعة الاوروبية والدعوة لاجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب والدعوة لقمة عربية طارئة، خطوات سريعة ومتصلة مع تناغم ووحدة مع القيادة الفلسطينية التي كانت خلف الملك بخطوة حتى ننصف الموقف الاردني والشارع الاردني الذي اسند الموقف الرسمي كما اسنده بتشريع الابواب لكل الخطوات الشعبية بما فيها اعادة قراءة معاهدة وادي عربة.
لم يدرك سكان العواصم المجاورة ان الاردن يمتلك مفاتيح كثيرة وانه بحكم الجغرافيا والديمغرافيا لا يمكن تجاوز دوره او القفز عنه بترتيبات اقليمية مع الطرف الامريكي، بل لم يدركوا ان عدم استخدام الاردن للمفاتيح الاقليمية والدولية والذاتية كان لمحاولة تكوين حلف عربي معتدل ولكن دون تفريط، فالنار تلسع الاقليم من تداعيات المشهد الفلسطيني لكنها تحرق الاردن وفلسطين اولا ومن ثم تحرق الجميع، فيهودية الدولة تعني تسفير مئات الالاف من الفلسطينيين الى الاردن الذي استجاب لانسانيته في اللجوء السوري لكنه ليس مقلبا بشريا لكل لاجئ.
اليوم تعيش الدولة الاردنية حالة مستعصية على فهم كثيرين باستثناء الاردنيين الذين يعرفون متى يكونوا واحدا موحدا، فرغم ازمته الاقتصادية وضغط الاقليم واللجوء الا ان الملك عبدالله الثاني هو اكثر زعيم عربي واقليمي يعيش قوة داخلية تمكنّه من الحركة السياسية دون ارتهان او خوف، فما شهده الاردن خلال الايام الماضية أجاب عن اسئلة كثيرين تحدثوا وراهنوا على ضعف الحالة الاردنية الداخلية بحكم الاوجاع الاقتصادية، لكنهم لايعرفون اننا برغيف خبز وربطة فجل او بصل اخضر نعيش طويلا ولكننا لا نعيش بدون كرامة لدقيقة واحدة، والقدس ليست كرامتنا فقط بل مستقبلنا، لان البداية من القدس والنهاية فيها ومنها، فيهودية الدولة تعني الدمار لنا ولفلسطين معا ولن يقبل أي اردني او فلسطيني بوطن بديل حتى لو كانت الجنة.
تدوير الزوايا السياسية اعاد الاعتبار للديبلوماسية الاردنية التي عادت رائدة في الاقليم ورائدة في المنطقة، فهي تملك الكثير من المفاتيح ولن نسأل لماذا تأخرنا في استخدامها المهم اننا بدأنا.
omarkallab@yahoo.com