لم تنجح نعومة اكاديمي ايراني في اخفاء حجم الغطرسة والفوقية الايرانية الطافية اليوم على سطح العلاقات العربية الايرانية، ورغم صفته الاكاديمية الا انه كان يتحدث بنفس عقلية الجنرال قاسم سليماني الاسم الاكثر حضورا وطغيانا في اللحظة التاريخية الراهنة في مشرقنا العربي، فالاهتزاز الوحيد الذي طال حديث الضيف الايراني كان في لغته العربية فقط وما دون ذلك لم يهتز له جفن وهو يقدم أطروحة الحرس الثوري الايراني بلسان اعجمي فصيح جدا، ولولا انزلاقة الى مأزق تحاول الانظمة العربية إدخالنا فيه بتقديم العداء لايران على العداء للدولة الصهيونية لقلت ان الرجل يحمل نفس مستوى الغطرسة والصلافة، التي لا تغيب عن ضلع المثلث الاخير في معادلة الاقليم الصعبة والتي يتحدث بها السلطان اردوغان .
فالعرض الذي قدمه رجل الحرس الثوري بزي الاكاديمي، كان مليئا بمفردات فوقية نافية لكل ريبة في المشروع الايراني التوسعي بأدوات مذهبية، ولولا مهارة الاكاديمي الاردني مصطفى الحمارنة في تفكيك الخطاب السلس، لازاغ عقول كثيرين كادوا ان يبكوا من فرط السماحة الايرانية لكثرة الضغط العربي على العصب الايراني، ورفض الاردن استقبال اليد الايرانية الممدودة بيضاء من غير سوء، فالحمارنة كشف واقعة جرت قبل اعوام عن لقاء بين وفد ايراني ومسؤول امني رفيع، احرج فيه المسؤول الامني ضيوفه الايرانيين بحجب المحاولات الايرانية العبث في الساحة الاردنية؛ ما دعاهم الى طلب لقاء خاص ومغلق معه .
واكملت الوزيرة السابقة علياء بوران مسلسل الكشف، بعرضها تجربتها مع الجمهورية الاسلامية الايرانية بموضوع السياحة الدينية، كاشفة عن تغيير ولا اقول تلاعب في كشوف السياح القادمين من ايران الى عمان قبل اقلاع الطائرة بدقائق، حيث يجري تغيير بضع اسماء في الكشف النهائي لاسماء الركاب المغادرين المطارات الايرانية، والتغيير معروف الاسباب، فالاسماء التي يتم ادراجها في اللحظات الاخيرة عادة ما تكون لاسماء مرفوضة امنيا بحكم انتماء تلك الاسماء الى جهاز الامن الايراني او الى الحرس الثوري، مما ينفي صفة السياحة الدينية او يضعها في خانة الريبة، بوصفها عتبة ايرانية مقدسة لاجتياح المزارات واهلها .
الاكاديمي الزي فقط، قدم مرافعة عن المشروع الايراني بوصفه مشروع يدعم المقاومة ضد الولايات المتحدة الامريكية وضد الكيان الصهيوني، ويحمل ثابتين هما الاسلام الثوري كنظرية رافعة للمشروع وهدفه تحرير فلسطين ومساندة مشروع التحرر، دون تدخل في الشؤون الداخلية لاي نظام مجاور ودون العبث بالمذهبية او الاستقواء بها، فايران ليس لها جندي واحد في اليمن او لبنان وليس لها تواجد عسكري في مضيق باب المندب، مُنتقدا الحضور لخوضه في الدور الايراني في المنطقة العربية وعدم التركيز على العلاقة الاردنية الايرانية فقط، وللمفارقة المبكية كدليل على عدم تدخل ايران في الجوار فقد اقترح الرجل برنامجا لانقاذ الاقتصاد الاردني بعد تقليص المساعدات العربية لموازنته قوامه فتح معبري نصيب وطريبيل وفتح باب السياحة الدينية .
الحقيقة الدامغة التي قدمها العسكري اللابس زيّاً مدنيا كانت غياب المشروع العربي الموازي او المقاوم للتدخلات الخارجية، ومدى هشاشة النظام الرسمي العربي وحجم الفجوات والتناحر بين الانظمة، مما يمكن اي دولة من اختراق هذه المجتمعات بنجاح ودون كلفة كبيرة، رافضا الاجابة عن سؤال له علاقة بالدور الايراني المستقبلي في الاقليم العربي وتحديدا سوريا ولبنان واليمن، وكذلك القفز عن ارتفاع اصوات طبول الحرب في لبنان والمنطقة ونهب 500 مليار من العراق منذ العام 2003 حتى الان .
حوار كاشف جرى في قاعة اجتماعات مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية، تحتاج اللحظة الاردنية الى كثير منه مع اطراف ايرانية، مع الحاجة الى عدم القطيعة مع ايران ومحاولة ابتكار اطار علائقي معها قائم على الفهم وتعظيم المناعة الوطنية وهذا ليس صعبا اذا قررنا تنويع علاقاتنا السياسية، فإيران لن ترحل من الاقليم وبكل الأحوال هي ليست عدوًا أخطر من الكيان الصهيوني .
omarkallab@yahoo.com