الأنباط -
د / فاطمة المحيسن... الموريسكيون هو لفظّ استعمل في القرن الخامس عشر.
المقدمة:
لا شك أن الدلرس لحقبة الموريسكيين، والباحث عن دقائق وتفصيلات ذلك التاريخ يعتبر غمامة سوداء جعلت منه تاريخاً سيء، سيشعر كل من يقرأ هذا التاريخ بثقل وطأة تلك الأحداث إلى حد آن التنفس بحد ذاته يصبح عملية صعبة٠
مآسي الموريسكيين الطاحنة لا تترك لدى القارئ حيزا للتفكير في أن أولئك التعساء كانوا قادرين بصورة ما على القيام بأي شيء لمواجهة هذا الكم الهائل من العنف، وخصوصا ان خاتمة مأساتهم المتمثلة في طردهم نهائيا من بلدهم هي بحد ذاتها مأساة ابشع واقسى.
في هذا الحوار تجيب د/ فاطمة المحيسن على كل هذه المأساة بعد عدة قرون من حصول هذه المأساة، د/ فاطمة المحيسن كتبت كتاب يتحدث عن هذه المأساة في كتاب عنونته (الأدب العربي الموريسكي " ١٤٩٣‐ ١٧٠٠ م)، الصادر في عمان عن دار الفارس للنشر والتوزيع ، عام ٢٠٢٥. كما تعمل في الجامعة في الجامعة الهاشمية ومساعد عميد كلية الآداب لشؤون التطوير الأكاديمي والتواصل الدولي لنفس الجامعة.
حاورها: سليم النجار.
1.مَنْ هم الموريسكيون (الأندلسيون المتأخرون)؟
الموريسكيون هو لفظٌ استعمل في أول الأمر في القرن الخامس عشر أثناء الصراع الأخير بين المسيحيين ومملكة غرناطة؛ للدلالة على مَن كان يدخل في طاعة ملوك النصرتنية من أهل إقليم غرناطة، ثمّ أطلق على مسلمي غرناطة أجمعين عندما سقطت عام 1492م في أيدي ملكيْ قشتالة وليون، ثمّ حلّ محلّ لفظ (مدجّن) خلال القرن السادس عشر في الدلالة على مَن بقي من العرب في الأندلس سواء منهم مَن ظلّ على دينه، أو مَن تنصّر وسواء أكانوا يعيشون في الممالك التي سيطر عليها المسيحيون من قبل مثل (بلنسية أرغون وغيرهما) أم كانوا يعيشون في الأندلس الجنوبي بأقاليمه المختلفة.
2.كيف تعامل الملكان الكاثوليكيان مع أهل غرناطة بعد تسليم مدينتهم؟
تبدأ قصّة الموريسكيين، لمّا دخل النصارى الحمراء واستولوا عليها في ثاني ربيع النبويّ من عام 897هـ/ الثاني من يناير لعام 1492م بعد توقيع معاهدة تسليم غرناطة في الخامس والعشرين من نوفمبر سنة 1491م/ 21 محرم سنة 897هـ، وذلك قبل تسعة وثلاثين يوما من تسليم المدينة وبلغت شروطها ستًا وخمسين مادة، ومنها أنّ من شاء البقاء عند العدو أقام في ظل الأمان مُكرّمًا، ومَن أراد الخروج إلى برّ العُدوة المغربية أُنزِل بأي بلاد شاء منها من غير أن يعطيَ كراء ولا مغرمًا، وأظهر للمسلمين العناية والاحترام، ووضع فرناندو عنهم المغارم حيلة منه وكيدًا، وبعد ذلك بدأ الطاغية ينقض شروط التسليم التي عاهد المسلمين عليها في وثيقة التسليم فصلًا فصلًا، إلى أن نقضها جميعًا وزالت حرمة المسلمين، وأدركهم الهوان والذلّة، وفرِضت عليهم المغارم الثقيلة، وقُطع عنهم الأذان في الصوامع، وأمرهم بالخروج من غرناطة إلى الأرباض والقرى، ثمّ بعد ذلك دعاهم إلى التنصّر وأكرههم عليه، فدخلوا فيها كرْها، وصارت الأندلس كلها دار كفر ولم يبقَ من يجهر بكلمة التوحيد والأذان، وجعلت في المساجد والمآذن النواقيس والصلبان.
3.ماذا عن محاكم التفتيش، ما دوافع تأسيسها؟
أمّا عن محاكم التفتيش أو ما سميت لدى الإسبان بديوان مجمع قضاة الإيمان الكاثوليكي، وسميت جلساتها بجلسات الإيمان لأنه كان يُطلب إلى الشخص إما الإيمان بالمسيحية أو الموت حرقًا، وكانت موجّهة ضد المسلمين واليهود معا، وقد طبّقت سياسة هذه المحاكم منذ مطلع القرن السادس عشر الميلادي إلى أن اختفت هذه المحاكم في القرن التاسع عشر للميلاد، وكانت أحكامها جازمة لا نقاش فيها ولا جدال، وتصدر أحكاما بالموت حرقًا، والسجن المؤبّد، والأشغال الشاقة، كما نظمت الكنيسة فرقا تبشيرية من رهبان وراهبات، للقيام بنشر الكاثوليكية، لكن هذه الحملات باءت بالفشل، فتدخّل الراهب سيسنيروس وفرض التنصير القسري مستعملًا وسائل التعذيب والاضطهاد، وأحرق الكتب بغرناطة، لإزالة الكثير من المخطوطات العربية القيمة والوثائق التاريخية والمصاحف البديعة الزخرف وكتب الأحاديث والآداب والعلوم وغيرها وذلك للتخلّص من أية إشارة إلى اللغة العربية، كي لا يستعين المسلمون بمصادرهم الأساسية كالقرآن الكريم والسنة، وكل ذلك أفضى إلى انتفاضة المسلمين في حي البيازين من أحياء غرناطة عام 1499م، ولكنّ انتفاضتهم أخمدت بلا رحمة ولا شفقة.
وكانت السياسات التنكيلية للمحاكم تطبق على المسلمين المتنصّرين إذا ما اتّهموا بممارسة الشعائر الدينيّة الإسلاميّة، أو تواصلوا باللغة العربيّة، أو حتى إذا اتّجهوا إلى مكة المكرمة لأداء الصلاة، ومن الأساليب التي اتّبعوها إجبار الفتيات المسلمات على الاقتران القسري برجالات النصارى، وإجبار المسلم الاقتران بنصرانية، لأجل القضاء على بقية التعاليم الإسلامية في نفوس أبناء المنصّين قسرًا، واجتناب المنصّرين نهائيا عقائدهم وعباداتهم وثيابهم التقليديّة وأسماءهم العربية، وهدم كلّ الحمامات العامّة، وإلزام الموريسكيات بالسفور دون خُمر في أثناء سيرهن في الطريق.
4.ما هو قرار الطرد النهائي للموريسكيين من الأندلس؟
كانت من جملة التدابير الصارمة بحقّ الموريسكيين قرار الطرد النهائي عام 1609م في عهد فيليب الثالث، وبضغط من الدوق دي ليرما الذي وضع الذرائع السياسية للطرد، وكان أقسى ما تضمنته وثيقة الطرد عدم السماح للموريسكيين باصطحاب أبنائهم البالغين أقل من خمس سنوات، وتبقى الأمهات الموريسكيات ليرعين أطفالهن إلى حين بلوغهم سنا مناسبة، ثمّ تطرَد الأمهات كما غيرهن من الموريسكيات، وقد توجّه المطرودون إلى الحدود البرتغالية، وشمال إفريقيا وفرنسا وإيطاليا.
5.هل اعتذرت الحكومة الإسبانية في نهاية القرن العشرين للموريسكيين عما فعله الأجداد الإسبان بالمسلمين تأسيا بيهود السفارديم؟
لقد طالب أحفاد الموريسكيين اليوم من الحكومة الإسبانية بالاعتذار عمّا فعله الإسبان في تلك الحقبة المقيتة بالمسلمين، لكنّها لم تستجب كما استجابت لمطلب اليهود السفارديم بذلك الاعتذار عام 1992م.
6.ما هي الأجناس الأدبية التي جسّدت القضية الموريسكية؟
هناك القصائد المتأرجحة بين الفصاحة والركاكة، انتهاء بالأدب الدينيّ الذي كتِب بالأعجمية أو لغة الخميادو (بالحرف العربي والصوت القشتالي)، وهناك الرحلات والسير والتراجم والمغازي، والرسائل الإخوانية أو المذكرات التاريخية.
7.ما هي السمات التي تميّز بها القصيدة التي نُظمت بعد سقوط غرناطة؟
مرّ الشعر الأندلسيّ بعد سقوط غرناطة بمرحلتين؛ المرحلة الأولى استمرّ فيها الشعر الأندلسي المتأخر يصدر باللغة العربيّة، أمّا المرحلة الثانية فقد جاءت بعد صدور القوانين التي حرّمت على الأندلسيين استعمال اللغة العربية التي بدأت رسميًّأ سنة 1526م، بصدور أول قانون لتحريم استعمال اللغة العربية (1526- 1609م)؛ حيث استحدث الموريسكيون لغة خاصّة بهم وهي لغة الخميادو في أدبهم السريّ تقيّة من شرور محاكم التفتيش، على أنّ هذه اللغة كانت مستخدمة من قبل المدجنين وكانوا يتوارون بها لممارسة حياتهم الدينيّة الخفيّة كمسلمين في ظلّ الحاكم الإسباني قبل سقوط غرناطة بقرون.
8.ما السمة الرئيسة التي اتّسم بها الخطاب العربيّ الإسلاميّ الذي كُتب بعد سقوط الأندلس؟
إنّ الخطاب الأدبيّ فيما يتعلق بالمسألة الموريسكيّة يخدم فكرة أنّ هناك أدبًا عربيًّا، يفنّد فكرة انتهاء الأدب العربي الأندلسي عند عصر بني نصر وسقوط سرير ملكهم في غرناطة، وإن خفتَ صوتُ الأدب العربيّ إلّا أنّه لم يمّحِ مع السياسات التنكيلية التي اتبعها افسبان في إخماد صولة اللغة العربية، تلك العلامة الفارقة التي ما استطاعوا أن يسلخوها من لسان المسلم الذي أجبِر على التنصير، فالأدب العربي بقي سادرًا في جمالياته الخاصّة وإن لم يتبع سبيل البلاغة والفصاحة، وحتى باحتفاظه بقدسية الخرف في الكتابات الخمياديّة، ليؤكّد هويّة حاول الآخر تذويبها بعهد جديد فيه لغة ودين آخرين.
9.هل تختلف الرسائل الإخوانية (المذكّرات التاريخية) في العصر الموريسكيّ عن العصور الإسلاميّة التي عرفناها في التاريخ؟
قد تختلف الرسائل الإخوانية في هذا العصر عن الرسائل الإخوانية في العصور السابقة؛ ليس لأنها لم تعُد تُرسَل للإخوان والأصدقاء في التهاني والتعازي، بل لأنها أصبحت تحمل الصبغة السياسية والتاريخية وكأنّها مذكرات شخصيّة يرسلها صاحبها إلى من يرتبطون به بصفة الصداقة أو المعرفة، وقد تدوّن في مقدمات الكتب أو خواتمها بالشكل الذي تحمله الرسائل من حمد الله والصلاة على النبي الكريم، ويمكن أن توجَّه للإخوان في الدين، من قبيل الاستغاثة، والنجدة كما في الخطاب الموجَّه من أحد زعماء البيازين إلى رؤساء المغرب وإخوانهم في الدين.