البث المباشر
الاردن يدين هجوما استهدف قاعدة دعم لوجستي لقوات الأمم المتحدة بالسودان حوارية حول "تعزيز القيادة في ضوء الالتزامات الوطنية للقمة العالمية للإعاقة" قرارات مجلس الوزراء حالة الطقس المتوقعة لاربعة ايام مندوبا عن الملك وولي العهد العيسوي يعزي عشيرتي الخلايلة والعواملة جمعية الأطباء الأردنيين في ألمانيا تؤكد استعدادها لعلاج يزن النعيمات عمر الكعابنة يهنّئ الدكتور حسان العدوان بمناسبة نيله الدكتوراه في الإذاعة والتلفزيون بامتياز ما بين التغيرات المناخية وإخفاقات الإدارة وتحوّلات الإقليم: كيف دخل الأردن معركة المياه؟ أخلاق الطبيب بين القَسَم وإغراء السوشيال ميديا إيرادات شباك التذاكر في الصين لعام 2025 تتجاوز 50 مليار يوان الحاجة عليا محمد أحمد الخضراوي في ذمة الله وصول قافلة المساعدات الأردنية إلى الجمهورية اليمنية جامعة البلقاء التطبيقية توقّع مذكرة تفاهم مع شركة أدوية الحكمة لتعزيز تدريب الطلبة والخريجين وزارة المياه والري : ضبط أكثر من 1411 اعتداء على خطوط المياه خلال شهر تشرين ثاني اللواء المعايطة يحاضر في كلية الدفاع الوطني الملكية الأردنية، ويؤكد على تكامل الأدوار بين المؤسسات الوطنية شكر على التعازي عشائر العجارمة عامة… وعشيرة العقيل خاصة بحث تعزيز التعاون الأكاديمي بين جامعتي عمّان الأهلية وفلسطين الأهلية رئيس عمّان الأهلية يُكرّم الطلبة الفائزين في مسابقات وطنية جاهة ابو عوض والقاسم .. دودين طلب وأبوالبصل أعطى البيت العربي في مدرسة الروم الكاثوليك احتفاء بيوم اللغة العربية

انزلقت الغريزة إلى الغنيمة

انزلقت الغريزة إلى الغنيمة
الأنباط -
المحامية هبة أبو وردة
منذ بدء الخليقة، كانت لقمة العيش سؤالَ البقاء الأول، ونداءَ الجسد في وجه الطبيعة. لكن في هندسة النفوذ، لا تتعامل القوى الكبرى مع الأشياء بوصفها محايدة؛ فكلّ أداة قابلة للتحوّل إلى سلاح، وكلّ حاجة قابلة لأن تصبح وسيلة سيطرة؛ وهكذا انزلقت الغريزة إلى الغنيمة، والغذاء إلى منظومة عقيدة.
في فكر الجيوبوليتيك الحديث، لم يعد الخبز مجرد حقّ بيولوجي، بل صار امتيازًا سياسيًا، والسيادة باتت تُقاس بمدى قدرة الدولة على التحكم بتدفّق الغذاء، وعلى استخدامه أداةً لتأديب الخصوم، ومكافأة الحلفاء، وتفكيك الشعوب من الداخل؛ فمن يُمسك بخيوط الطعام، يُمسك بخيوط القرار، ومن يُجوّع يُصادر الكلمة، ويزرع الخضوع على هيئة رغيفٍ نادر.
في أغلب جيوش العالم، تسبق المعركةَ الهتافات، أما في المؤسسة العسكرية الأميركية، فتسبقها "وجبة الطمأنينة المُبرمجة”، شريحة "ستيك” معتّقة، سلمون مدخّن وشوكولاتة مستوردة، وكأن الذوق بات جزءًا من العقيدة القتالية، وكأن الطعام نفسه أصبح بيانًا استراتيجيًا مغلّفًا بورق القصدير؛ حيث لا يُرفع السوط، قبل أن تُرفع أغطية الصحون اللامعة.
في فلسفة الجاهزية الأميركية، لا يُشحَذ السيف قبل أن تُشحَذ الشوكة، ولا تُرفع الراية إلا بعد أن تُرفع أغطية الصحون؛ فالانضباط هناك يُروَّض بترف المائدة، لا بصرامة التدريب، الجندي الأميركي يُدلّل، يُكافَأ، تُدار رغبته قبل سلاحه، ويُصاغ ولاؤه على طبقٍ فاخر، حتى الوجبات تُصمَّم وفق البيئة النفسية والمناخية للعنصر البشري؛ لأن الانتماء يُعاد تشكيله عبر دفء الحساء، والإرادة تُروَّض بالحلويات.
وكما هو معتاد، لم يكتفِ الكيان باستلهام الدعم العسكري من واشنطن، بل تبنّى أيضًا فلسفتها في إدارة الحرب عبر المعدة؛ فكما تُبرمج أمريكا لائحة العشاء السنوي لجيوشها كأداة جاهزية نفسية ومعنوية، فقد نسجت تل أبيب نسخةً صهيونية من هندسة الجوع الأميركية، رفاهٌ مفرط داخل الثكنة، وتجويعٌ منهجي في القطاع، كأن فلسفة الحرب نفسها أصبحت تُطبَع على الرغيف.
بدأ الكيان يعتمد سياسة غذائية يفرّق فيها بين الجندي والمُحاصَر؛ حيث تفيض مائدة الأول تحت شعار "الاستحقاق السيادي”، بينما يُقصى الثاني عن الخبز بذرائع أمنية؛ ففي غزة، المشهد نقيضٌ حاد، الجوع وسيلة إذلال وتفكيك صامتة، من لا يُقتل بالقصف، يُترك ليختنق جوعًا، ومن ينجُ من القذيفة، لا ينجو من كأس الماء الفارغ.
بيوسياسة احتلال تُمارس عبر المعدة، حيث كل لقمة تُمنَع هي قرارٌ عسكري، وكل بكاءٍ على مائدةٍ فارغة هو جزء من العقيدة التي ترى أن التجويع يُجفّف روح المقاومة، فقد تم "هندسة الجوع”، وتحويله إلى سلاحٍ ناعم، خفيّ، بلا صفارات إنذار؛ والتغاضي عن هذا النمط من الحرب، هو إعلانُ موتٍ بطيءٍ للأخلاق السياسية، وإلغاء غير معلن لمفهوم "الإنسان المدني” من قاموس الحماية الدولية.
ففي القانون الدولي، يُصنّف تجويع المدنيين كجريمة حرب بموجب البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، وميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، لكن الأخطر الأكبر من الجريمة، هو أن تتحوّل إلى سياسة مسكوت عنها، ويدخل العالم في منظومة كارثةٍ أخلاقية ممنهجة، بين شمالٍ تُصاغ فيه الطاعة بالبروتين، وجنوبٍ يُؤدَّب فيه الإنسان بالجوع.
© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير