كتلة "إرادة والوطني الإسلامي" تهنئ جلالة الملك بمناسبة عيد الجلوس الملكي ‏وفد سوري برئاسة الشيباني يزور لبنان نهاية الشهر د. حازم قشوع يكتب:فوضى فى أمريكا استقبال أردني حافل للمنتخب العراقي في مطار الملكة علياء 108 شهداء في قطاع غزة خلال 24 ساعة مباراة الثلاثاء فرصة مثالية لتجسيد الروح الرياضية وتأكيد عمق العلاقات التاريخية الأردنية العراقية الأمن العام يؤكد أهمية الالتزام بإجراءات السلامة العامة كتب محسن الشوبكي : العفو العام في الأردن: بين المطالب النيابية وتحديات الأمن المجتمعي رحيل الأكاديمي الفلسطيني الدكتور عبد الله سلامة المسؤولية الاجتماعية في الحج.. شكاوى من انتشار مخلفات الأضاحي في بعض مناطق قضاء بيرين متعجلو الحجاج يرمون الجمرات ويتوجهون لطواف الوداع وثيقة نادرة تروي فرحة الأردنيين بذكرى جلوس الملك على العرش عام 1999 عيد الجلوس الملكي السادس والعشرون..مسيرة مستمرة من البناء والتحديث بالأردن الناتج المحلي الإجمالي البحري للصين يتجاوز 1.39 تريليون دولار إعادة تصدير أكثر من 9 آلاف مركبة لسوريا في 5 أشهر عبر الأردن “الأمن” تؤكد ضرورة اتخاذ إجراءات السلامة للوقاية من الحوادث خلال الأيام المقبلة شهيد ومصابان برصاص قوات الاحتلال جنوب الخليل "الخيرية الهاشمية" توزع لحوم الأضاحي في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بالأردن الأونروا: جياع في غزة أجبروا على الزحف وسط إطلاق نار إسرائيلي كثيف

عند حدود الكرامة والنار، يلعب الكيان

عند حدود الكرامة والنار، يلعب الكيان
الأنباط -

منصور البواريد

حين يصادق المجلس الوزاري المصغر في إسرائيل على إقامة 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية، ويمتد بها زخم التوسع إلى الحدود مع الأردن، فإنَّ المسألة لم تعد شأنًا فلسطينيًّا محضًا، بل تحولت إلى إعلان جغرافي وسياسي وأمني جديد، يُعاد فيه رسم معالم الشرق الأوسط وفق منطق فرض الوقائع لا المفاوضات. إنَّها ليست مجرد مستوطنات، بل إشارات استراتيجية متعددة المستويات، تبدأ من فكرة منع الدولة الفلسطينية، ولا تنتهي عند حدود الأردن الشرقية.
في تصريحه، قال بتسلئيل سموتريتش بوضوح: أنَّ الخطوة التالية هي السيادة. وهذه العبارة الموجزة تحمل من الثقل ما يكفي لتغيير بنية التفكير السياسي في المنطقة، السيادة هنا لا تعني فقط ضم الأرض، بل إعلان موت فكرة الدولتين رسميا، وتجذير مشروع "إسرائيل الكبرى" في الحيز القانوني والسياسي، بعد أن ترسخ على الأرض بحماية عسكرية واستيطان ممنهج.
الاستيطان على حدود الأردن لم يأتِ اعتباطا، بل يحمل رسائل صريحة وأخرى أكثر دهاء، أولى هذه الرسائل موجهة إلى الأردن نفسه، ليس فقط بوصفه جارًا جغرافيا، بل بوصفه لاعبًا إقليميًّا ورمزًا تاريخيًّا في معادلة القضية الفلسطينية.. فبناء مستوطنات بمحاذاة وادي الأردن هو محاولة لتحويل هذه الحدود إلى جدار صلب أمام أي امتداد فلسطيني شرقي، ولزرع شك دائم في العقل الإسرائيلي حول احتمالية الخيار الأردني كبديل عن الدولة الفلسطينية، بمعنى آخر، فإنَّ إسرائيل تقول: حتى هذا الخيار الذي كنتم تتخوفون منه، لن ندعه يتشكل.
الرسالة الثانية تتجه إلى الفلسطينيين بانتهى زمن الدولة. فلم يعد المشروع السياسي الفلسطيني مهددًا فقط؛ بل تم التعامل معه كجثة هامدة، لا تستحق حتى النعي. فإنَّ القرار يصدر في ظل غياب أي عملية سياسية فعلية، وفي ظل انشغال العالم بنزاعات متعددة، إسرائيل اختارت اللحظة المناسبة لتبني مستوطنات ليست مجرد وحدات سكنية، بل أدوات ديموغرافية أمنية ترسم حدودًا جديدة للقوة.
أما الرسالة الثالثة، فتمتد إلى النظام الإقليمي والعالمي، وتختبر مدى هشاشته، فقرار بناء مستوطنات بهذه الكثافة وعلى هذه الرقعة الجغرافية، هو بمثابة تمرين حقيقي على حدود الصمت الدولي. القرار 2334 الصادر عن مجلس الأمن أصبح حبرًا على ورق، ومحكمة العدل الدولية مجرد جهة رمزية، بينما السيادة تُنتزع بأقدام الجنود ومعدات الجرافات، فإسرائيل لا تختبر فقط حدود الشرعية الدولية، بل تُمارس عليها الابتزاز الواضح من خلال: السكوت عن المستوطنات، أو التحول إلى خصم في معركة تُدار بمنطق أمني وجودي.
في العمق، فإنَّ هذا القرار يعكس انتقال إسرائيل من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم الاستراتيجي الطويل الأمد، وهو ليس فعلًا مؤقتًا بقدر ما هو إعادة ضبط عقائدي لمستقبل المنطقة. من الآن فصاعدًا، لا حديث عن انسحاب، بل عن امتداد، ولا مكان لخطاب "حل الدولتين"، بل فقط لخطاب "السيادة الواحدة". وهذا الخطاب، كما يتضح من توقيت القرار، يجد بيئة دولية وإقليمية رخوة، تسمح له بأن يترسخ دون مقاومة تُذكر.
بالنسبة للأردن، فإنَّ هذه التطورات تمس جوهر استقراره الاستراتيجي، وحدوده التي لم تكن يومًا خطوطًا ساكنة بل مواضع شرف وكرامة، رسمتها الدماء كما رسمها الحبر، فمن العبث أن تختبر إسرائيل صبر الأردن أو تلوح بالاقتراب من واديه، لأنَّ الذاكرة الأردنية لا تمحو بسهولة، فحين تسللت الموجات الصهيونية الأولى في أواخر القرن التاسع عشر بحجة الزراعة والعمل، كانت ساكب لهم بالمرصاد عام 1876، حين انتفضت العشائر الأردنية وأخرجتهم من الأرض عنوة، دفاعًا عن السيادة قبل أن تصاغ المصطلحات الحديثة.
وفي معركة الكرامة، حين راهن العدو على كسر الإرادة، وجد أمامه جيشًا لا يحني جبهته، وأرضًا لا تُدنَّس، فأعاد حساباته مذعورًا، وكتب الأردنيون تاريخًا من نار وبارود. وحتى قبل ذلك بكثير، لم يكن الأردن هامشًا في التاريخ، بل كان عمقه وأصله؛ فميشع ملك المؤابيين دحر أطماعهم، ودون نصره على مسلته، وعبادة الأول ملك الأنباط صفعهم سياسيًّا وعسكريًّا، وفرض على الأرض قانون المهابة لا قانون التوسع.
هذه ليست خطابات تعبئة، بل حقائق منقوشة في الحجر والتراب. والأردن، الدولة والشعب، لا يحتاج إلى رفع صوته كثيرًا ليُفهم؛ فالصمت هنا تهديد مبطَّن، والتاريخ نفسه حارسٌ للحدود. على إسرائيل أن تدرك أن اللعب قرب حدود الأردن ليس مجرد مغامرة جغرافية، بل مقامرة مكلفة بكل ما تعنيه الكلمة.
وإذا كان البعض يرى في هذه المستوطنات إعلانًا لانتصار الجغرافيا على العدالة، فإنَّ الحقيقة الأعمق تقول إنَّ كل مستوطنة تُقام دون إجماع دولي، وكل قرار يُفرض بقوة الغطرسة، إنما يؤسس لأزمات لا تُحل بمرور الوقت، بل تتفاقم، فالإكراه لا يُنتج استقرارًا، والتوسع لا يصنع شرعية، والحلول الآحادية ليست إلا مؤقتة في زمن يتغير بسرعة.
لكن الأردن، رغم الضغوط، ليس هشًّا. والأردنيون دولةً وشعبًا يدركون تمامًا أنَّ لعبة الحدود ليست محايدة. وإذا كانت إسرائيل تراهن على الصمت، فإنَّها تغامر بإيقاظ صوتٍ عميقٍ لا يرضى بالعبث.
فعند حدود الكرامة والنار، لا أحد ينجو من اللعب طويلًا.
© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير