البث المباشر
شي وماكرون يلتقيان الصحافة بشكل مشترك "مساواة" تطلق رؤية رقمية لتمكين الحرفيات العربيات من قلب المغرب غرف الصناعة تهنىء بفوز "الصناعة والتجارة والتموين" بجائزة أفضل وزارة عربية المنطقة العسكرية الشمالية تحبط محاولة تسلل على إحدى واجهاتها الحدودية المنطقة العسكرية الجنوبية تحبط محاولة تهريب مواد مخدرة بواسطة طائرة مسيرة الجيش يطبق قواعد الاشتباك ويُحبط محاولة تسلل ندوة في اتحاد الكتّاب الأردنيين تعاين ظاهرة العنف ضد المرأة وتطرح رؤى وسياسات جديدة لحمايتها بيان صادر عن المؤسسة العامة للغذاء والدواء الأرصاد تحذر: تقلبات في الطقس نهاية الأسبوع.. التفاصيل استقرار أسعار الذهب عالميا أجواء لطيفة اليوم وغير مستقرة غدا مؤتمر قادة الشرطة والأمن العرب يدعو إلى تحديث تشريعات مكافحة المخدرات التصنيعية الفيصلي يفوز على الرمثا ويبتعد بصدارة الدرع جريدة الأنباط … ذاكرة وطن وصوت الحقيقة الأرصاد العالمية: العام الماضي كان الأكثر حرارة على الإطلاق في الوطن العربي الاتحاد الأردني للكراتيه يكرّم المهندس أمجد عطية تقديرًا لدعم شركة محمد حسين عطية وشركاه لمسيرة اللعبة جنوب إفريقيا تنظم فعالية للترويج للمجلد الخامس من كتاب "شي جين بينغ: حوكمة الصين" العيسوي ينقل تمنيات الملك وولي العهد للنائب الخلايلة والمهندس الطراونة بالشفاء الشواربة يتسلم جائزة أفضل مدير بلدية في المدن العربية ضمن جائزة التميز الحكومي العربي 2025 شركة زين تطلق دليل إمكانية الوصول الشامل لتهيئة مبانيها ومرافقها للأشخاص ذوي الإعاقة

الانسحاب والصمت كتكتيك إمبراطوري

الانسحاب والصمت كتكتيك إمبراطوري
الأنباط -
الانسحاب والصمت كتكتيك إمبراطوري

بقلم: منصور البواريد

حين تُقرِّر واشنطن أن تُراقب من بعيد، فذلك لا يعني انسحابًا ولا خسارة؛ بل غالبًا ما يكون مقدِّمة لتحول في طبيعة السيطرة. إنَّ التحركات الأمريكية في الشرق، بما في ذلك علاقتها بالهند وباكستان وسط التمدد الصيني، ليست تراجعًا بقدر ما هي عملية إعادة تموضع تُجسد فلسفة إدارة القوة لا ممارستها العمياء.

ليسَ كل غياب فراغًا، ولا كل صمت ضعفًا.
تُجيد الولايات المتحدة ممارسة ما يمكن تسميته ب"فن الحضور الاستراتيجي الهادئ"، حيثُ تبدو في الظاهر غير معنية، لكنها تُدير اللعبة من خلف الجبهات، ففي ملفات الهند والصين وباكستان، لم يكن الخيار الأمريكي هو التورط، بل الانتظار الذكي لمرحلة الإنهاك الإقليمي، وهي المرحلة التي تبدأ فيها الدول المتصدرة، كالصين، بإظهار علامات الإجهاد من فائض الطموح.
وعلى الرغم من محاولات الصين في توسيع نفوذها من خلال مشاريع ضخمة مثل مبادرة الحزام والطريق، فإنَّ هذهِ الاستراتيجية أدَّت في بعض الحالات إلى تفاقم التوترات الإقليمية وزيادة الأعباء المالية على بعض الدول الشريكة، فكلما زادت الصين في تعميق علاقاتها مع دول مثل باكستان وسريلانكا، زادت احتمالية تصعيد الأزمات التي يمكن أن تجد واشنطن فيها فرصة للاستفادة دون أن تكون مضطرة لتورط مباشر.
خذ مثلًا اتفاقية "أوكوس" الثلاثية بين الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأستراليا، والتي جاءت بمثابة رسالة استراتيجية للصين بأنَّ واشنطن لا تحتاج أن تواجهها مباشرة على حدودها، بل يمكنها تطويقها بحزام أمني تكنولوجي ذكي. هذهِ الاتفاقية لم تكن مجرد صفقة غواصات نووية، بل إعلان نوايا طويل الأمد، يربط الأمن بالابتكار التكنولوجي والسيطرة على ممرات النفوذ البحري. وكذلك إعلان البيت الأبيض أكثر من مرة أنَّ التحدي الصيني ليسَ عسكريًّا مباشرًا بل "نظامي"، يستهدف إعادة تشكيل البنية الاقتصادية والمؤسسية للعالم، ما يدل على أنَّ المواجهة الحقيقية تتجاوز حدود المعارك الإقليمية التقليدية.
الهند، وإنْ كانت حليفًا غير تقليدي لواشنطن، إلا أنَّها ليست الأداة المثالية لمواجهة الصين حاليًّا. وأمريكا، بخلاف مرحلة الحرب الباردة، لم تعد تستهلك حلفاءها في معارك استنزاف لا تنتهي. بل أصبحت تميل إلى بناء "توازنات شبه ذاتية" تتيح للدول الكبرى في الإقليم أن تُرهق بعضها البعض، بينما تتفرَّغ واشنطن لترتيب المسرح الأكبر: الاشتباك مع الصين، لا في جبال كشمير، بل في فضاء التجارة والتكنولوجيا والبنية الأمنية العالمية.

إنَّ الغياب الأمريكي عن التصعيد في الجبهة الهندية الباكستانية لا يُمكن قراءته إلا باعتباره خيارًا واعيًا بعدم الوقوع في فخ التصعيد المحدود الذي لا يُغير قواعد اللعبة، بل يستهلك الطاقات. فالإدارة الأمريكية الحالية تدرك أنَّ نفوذها يُمارَس بأدوات أكثر مرونة وذكاء من خلال الضغط المالي، والتحالفات التقنية، والتحكم بمسارات الطاقة، والتأثير في سلاسل الإمداد العالمية. وكلها أدوات لا تحتاج إلى إطلاق رصاصة واحدة.
الولايات المتحدة اليوم تُدرك أنَّ خوض معارك متزامنة في الشرق الأوسط، وأوروبا الشرقية، والشرق الآسيوي، ليس دليل قوة، بل وصفة سقوط، لذلك فهي تعتمد على ما يمكن تسميته "السيطرة عبر الإنهاك"، حيث تنفصل عن صراعات بعينها وتترك القوى المتنافسة في الإقليم، مثل الصين والهند وباكستان، تُستنزف اقتصاديًّا وعسكريًّا في صراع طويل الأمد. من خلال هذا التكتيك، يتم كسب الوقت دون التخلي عن النفوذ.

الهيمنة لم تعد تحتاج إلى قواعد عسكرية، بل إلى سيادة القرار في لحظة اشتباك الآخرين.
من يظن أنَّ أمريكا خسرت الشرق لأنَّه لم يسمع ضجيج حاملات الطائرات، يقرأ السياسة بمنطق الماضي. أما من يُدرك أنَّ الفراغ أداة، والصمت مناورة، فيعرف أنَّ واشنطن حين تصمت، فهي تكتب سيناريو المرحلة القادمة. الفراغ هنا ليس سلبا، بل هو مساحة استراتيجية، تُتيح لأمريكا أن تُعيد ترتيب أوراقها في الوقت المناسب، منتظرة اللحظة التي سيتحول فيها هذا الفراغ إلى نقطة فاعلة في معركة المصير العالمي.
© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير