الهيئة الخيرية: عبور قافلة مساعدات لشمال غزة لصالح منظمة المطبخ المركزي العالمي أكثر من 100منظمة غير حكومية تحذر من "مجاعة جماعية" في غزة المنطقة العسكرية الجنوبية تحبط محاولة تسلل طائرة مسيّرة على الواجهة الغربية طقس حار خلال الأيام الثلاثة المقبلة 6 علامات تدل على عدم شرب كمية كافية من الماء 3 سلوكيات صحية للقلب تحقق فوائد عديدة للجسم هل سيُسلم فضل شاكر نفسه؟ بأجواء بسيطة.. نجم شهير يتزوج للمرة الثانية وعروسه من خارج الوسط الفني (صور) بنك الإسكان يرعى مهرجان جرش للثقافة والفنون 2025 “ماتت أمي”.. فنانة شهيرة تنعي والدتها بكلمات مؤثرة جداً (صورة) الأردنيون أمام فرصة تاريخية صور متقابلة من غزة: الأحداث المنتقاة لا تصنع المشهد كاملاً الكاتبة سارة طالب السهيل تقدم ورشة القصص والكتابة التعبيرية للاطفال في بيت مليح الثقافي في لواء ذيبان. . عشيرة أبو رمان تمنح الخليفات عطوة اعتراف لثلاثة أِشهر تحسن على مؤشر داو جونز الأميركي قرار لمجلس الأمن يدعو لحل النـزاعات بالطرق السلمية لجنة مجلس محافظة المفرق توقف تنفيذ 140 مشروعا “الأراضي والمساحة” تسعى إلى بناء شراكات مع المعنيين بالقطاع العقاري المدني يطلق دعوة لوحدة التيار الديمقراطي رئيس الوزراء يستقبل المهيدات ويشيد بجهوده في إدارة "الغذاء والدواء"

الانسحاب والصمت كتكتيك إمبراطوري

الانسحاب والصمت كتكتيك إمبراطوري
الأنباط -
الانسحاب والصمت كتكتيك إمبراطوري

بقلم: منصور البواريد

حين تُقرِّر واشنطن أن تُراقب من بعيد، فذلك لا يعني انسحابًا ولا خسارة؛ بل غالبًا ما يكون مقدِّمة لتحول في طبيعة السيطرة. إنَّ التحركات الأمريكية في الشرق، بما في ذلك علاقتها بالهند وباكستان وسط التمدد الصيني، ليست تراجعًا بقدر ما هي عملية إعادة تموضع تُجسد فلسفة إدارة القوة لا ممارستها العمياء.

ليسَ كل غياب فراغًا، ولا كل صمت ضعفًا.
تُجيد الولايات المتحدة ممارسة ما يمكن تسميته ب"فن الحضور الاستراتيجي الهادئ"، حيثُ تبدو في الظاهر غير معنية، لكنها تُدير اللعبة من خلف الجبهات، ففي ملفات الهند والصين وباكستان، لم يكن الخيار الأمريكي هو التورط، بل الانتظار الذكي لمرحلة الإنهاك الإقليمي، وهي المرحلة التي تبدأ فيها الدول المتصدرة، كالصين، بإظهار علامات الإجهاد من فائض الطموح.
وعلى الرغم من محاولات الصين في توسيع نفوذها من خلال مشاريع ضخمة مثل مبادرة الحزام والطريق، فإنَّ هذهِ الاستراتيجية أدَّت في بعض الحالات إلى تفاقم التوترات الإقليمية وزيادة الأعباء المالية على بعض الدول الشريكة، فكلما زادت الصين في تعميق علاقاتها مع دول مثل باكستان وسريلانكا، زادت احتمالية تصعيد الأزمات التي يمكن أن تجد واشنطن فيها فرصة للاستفادة دون أن تكون مضطرة لتورط مباشر.
خذ مثلًا اتفاقية "أوكوس" الثلاثية بين الولايات المتحدة، وبريطانيا، وأستراليا، والتي جاءت بمثابة رسالة استراتيجية للصين بأنَّ واشنطن لا تحتاج أن تواجهها مباشرة على حدودها، بل يمكنها تطويقها بحزام أمني تكنولوجي ذكي. هذهِ الاتفاقية لم تكن مجرد صفقة غواصات نووية، بل إعلان نوايا طويل الأمد، يربط الأمن بالابتكار التكنولوجي والسيطرة على ممرات النفوذ البحري. وكذلك إعلان البيت الأبيض أكثر من مرة أنَّ التحدي الصيني ليسَ عسكريًّا مباشرًا بل "نظامي"، يستهدف إعادة تشكيل البنية الاقتصادية والمؤسسية للعالم، ما يدل على أنَّ المواجهة الحقيقية تتجاوز حدود المعارك الإقليمية التقليدية.
الهند، وإنْ كانت حليفًا غير تقليدي لواشنطن، إلا أنَّها ليست الأداة المثالية لمواجهة الصين حاليًّا. وأمريكا، بخلاف مرحلة الحرب الباردة، لم تعد تستهلك حلفاءها في معارك استنزاف لا تنتهي. بل أصبحت تميل إلى بناء "توازنات شبه ذاتية" تتيح للدول الكبرى في الإقليم أن تُرهق بعضها البعض، بينما تتفرَّغ واشنطن لترتيب المسرح الأكبر: الاشتباك مع الصين، لا في جبال كشمير، بل في فضاء التجارة والتكنولوجيا والبنية الأمنية العالمية.

إنَّ الغياب الأمريكي عن التصعيد في الجبهة الهندية الباكستانية لا يُمكن قراءته إلا باعتباره خيارًا واعيًا بعدم الوقوع في فخ التصعيد المحدود الذي لا يُغير قواعد اللعبة، بل يستهلك الطاقات. فالإدارة الأمريكية الحالية تدرك أنَّ نفوذها يُمارَس بأدوات أكثر مرونة وذكاء من خلال الضغط المالي، والتحالفات التقنية، والتحكم بمسارات الطاقة، والتأثير في سلاسل الإمداد العالمية. وكلها أدوات لا تحتاج إلى إطلاق رصاصة واحدة.
الولايات المتحدة اليوم تُدرك أنَّ خوض معارك متزامنة في الشرق الأوسط، وأوروبا الشرقية، والشرق الآسيوي، ليس دليل قوة، بل وصفة سقوط، لذلك فهي تعتمد على ما يمكن تسميته "السيطرة عبر الإنهاك"، حيث تنفصل عن صراعات بعينها وتترك القوى المتنافسة في الإقليم، مثل الصين والهند وباكستان، تُستنزف اقتصاديًّا وعسكريًّا في صراع طويل الأمد. من خلال هذا التكتيك، يتم كسب الوقت دون التخلي عن النفوذ.

الهيمنة لم تعد تحتاج إلى قواعد عسكرية، بل إلى سيادة القرار في لحظة اشتباك الآخرين.
من يظن أنَّ أمريكا خسرت الشرق لأنَّه لم يسمع ضجيج حاملات الطائرات، يقرأ السياسة بمنطق الماضي. أما من يُدرك أنَّ الفراغ أداة، والصمت مناورة، فيعرف أنَّ واشنطن حين تصمت، فهي تكتب سيناريو المرحلة القادمة. الفراغ هنا ليس سلبا، بل هو مساحة استراتيجية، تُتيح لأمريكا أن تُعيد ترتيب أوراقها في الوقت المناسب، منتظرة اللحظة التي سيتحول فيها هذا الفراغ إلى نقطة فاعلة في معركة المصير العالمي.
© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير