الأنباط -
أحمد الضرابعة
من الخطأ، أن يتم اللجوء لتنميط سلطة الأمر الواقع في سورية استنادًا لتاريخها فقط، مع إغفال التحولات الفكرية - سواء أكانت حقيقية أم مزيفة وهو ما لم يتضح حتى الآن - التي نقلت مركزها على المسطرة السياسية، وكذلك لا يصحّ استباق النتائج والوصول إلى قناعات حتمية وتعميمات بشأن مستقبل سورية ونظامها السياسي واتجاهاته، وعلاقاته بالدول المجاورة، ومواقفه تجاه القضايا والتحديات الإقليمية،
فهيئة تحرير الشام التي ورثت حكم الأسد، لا تشبه ذاتها من الناحية الفكرية عند تأسيسها، وهي تقدم خطابًا سياسيًا يدل على مرونتها الفكرية، وهذا يبدو مُشجّعًا حتى بالنسبة للدول الكبرى التي تملك القدرة على منح الشرعية الدولية أو رفعها عن نظام سياسي في بلد ما، وعليه، فإن الإصرار على إدراج هيئة تحرير الشام في إطار حركات الإسلام السياسي بنسخته العربية (التقليدية)، لا يقود لفهم أعمق لواقع سورية ومستقبلها، فنحن أمام حركة تقول للجميع أنها أعادت إنتاج ذاتها بصورة مختلفة، وانتقلت من التصلب الأيديولوجي إلى المرونة البراغماتية، وهي بذلك تقدم مفهومًا جديدًا للإسلام السياسي كما نعرفه في العالم العربي، ربما يكون أقرب للنسخة التركية، من ناحية التطور الفكري، والأولويات، وممارسة السلطة، وإدارة التنوع، والتناقضات والاختلافات، وبالتالي، فإن الاعتماد على تجارب الماضي في تأسيس العلاقة معها ربما يكون مفيدًا من الناحية الأمنية، ولكنه ليس كافٍ، ولا بد من مواصلة الاحتكاك المباشر معها لفهمها بشكل أدق، ولا داعٍ للمبالغة في التخوف من وجودها حتى الآن، طالما أنها تؤمن بـ "سورية أولاً"، وتتبنى خطابًا وطنيًا جامعًا، دون أن تتصادم مع أي طرف إقليمي، وبالنسبة لها، وللدول التي تريد استعادة العلاقات مع سورية أو الارتقاء بها، فإن المرحلة الانتقالية هي فرصة لبناء الثقة، وإن كانت ترغب في أن يتم "تعويمها"، عربيًا ودوليًا، فإن عليها استغلال هذه الفرصة بالشكل الأمثل، وهي مُطالبة بتحويل التزاماتها الكلامية إلى سياسات فعّالة، ومن الواضح أن سياسة "الخطوة مقابل الخطوة"، معتمدة بالنسبة لدول كثيرة للانفتاح على سورية الجديدة، التي يُراقب العالم إدارتها الانتقالية، والقرارات التي تصدر عنها.
أردنيًا، لا بديل عن مواكبة تطورات المشهد السوري والتفاعل معها، فالمصالح الأردنية تفرض نفسها، وما يربط الأردن بسورية أكبر من أن يتم اختزاله بالجانب الاقتصادي، بالتالي، فإن عليه العمل ضمن إطار عربي متكامل، لمنع أي هيمنة أحادية من قبل أي قوة إقليمية طموحة لتحديد مستقبل سورية وتموضعها السياسي.