الأنباط -
حاتم النعيمات
في الأردن، هناك ملفان مهمان جدًا؛ الإدارة العامة والاقتصاد. أما الملف السياسي، فيبدو أنه خارج أولويات الأردنيين، إذ عزف نحو 70% ممن يحق لهم التصويت عن المشاركة في آخر ثلاث دورات انتخابية. هذه النسبة تحمل رسالة واضحة بأن السياسة ليست أولوية شعبية.
إذا قارنّا العزوف عن التصويت بالصخب الموجود على وسائل التواصل الاجتماعي، فسنجد فجوة كبيرة بين اندفاع المشاركة على هذه المنصات والإحجام عن المشاركة في الانتخابات. هذه الفجوة العددية تعبّر ببساطة عن رغبة واضحة: لا نريد المشاركة السياسية، بل نرغب في اقتصاد جيد وإدارة حصيفة. وهنا تتجلى حقيقة أن المشاركة السياسية الفاعلة أساسها التحسن الاقتصادي والإداري.
رئيس الوزراء، الدكتور جعفر حسان، يبدو مدركًا لهذه الخاصية بأبعادها الكاملة (ولست هنا بصدد المديح بقدر ما هي الموضوعية البحتة). ورغم أن التصريحات العلنية عادةً ما تشير إلى مسارات متوازية للتحديث السياسي والاقتصادي والإداري، إلا أن حركة الرئيس تُظهر فهمًا أعمق للواقع وتبدلاته. فهو يبدو مؤمنًا بأن نتائج الإصلاح الإداري والاقتصادي تُظهِر آثارًا ملموسة بشكلٍ أسرع من الإصلاح السياسي، وهو ما يحتاجه الأردن في هذه المنطقة المتقلبة.
قامَ الرئيس بعشرات الزيارات الميدانية لمشاريع ومواقع خدمية، معظمها قبل أن تحصل حكومته على الثقة. وقد اعتبرت الأوساط السياسية هذه الزيارات محاولة لاسترضاء مجلس النواب، فيما وصفها آخرون بأنها استعراضية. لكن تقريرًا أصدرته رئاسة الوزراء بعنوان "تقرير سير العمل”، أظهر أن الرئيس زار 37 موقعًا بنفسه، ونفّذ 71 تدخلاً تنمويًا، بالإضافة إلى عشرات المتابعات لمشاريع قيد الإنشاء أو التي تم إنجازها.
هذا التقرير، الذي يمكن وصفه بـ”غير المسبوق”، يؤكد جدية الرئيس ومعرفته بمفاصل الخلل في الجسم التنموي في الأردن. كما يُبطل نظرية استرضاء البرلمان ويعبّر عن انطلاقة شخصية كانت مراقبة لسنوات، واليوم تستخدم بياناتها وخبرتها في الإدارة والاقتصاد لمعالجة الواقع.
صحيح أن حكومة واحدة لا تكفي لتحقيق الطموحات، وأن الأصل في البرامج التنموية أن تكون عابرة للحكومات. وصحيح أيضًا أن الأردني يعيش في ظل مستوى ثقة متدنٍ مع الحكومات. لكن المنطق يقول إن التنمية والبناء هما العاملان الأساسيان لتعزيز مصداقية أي حكومة، وليس مجرد الخطابات والبيانات.
متابعة نتائج العمل وتقييم الإجراءات، إلى جانب تكريس نهج جديد عنوانه "وصول المسؤول الكبير إلى التفاصيل الصغيرة”. كلها إجراءات ذكية، فالتفاصيل الصغيرة تمثّل البيانات الثمينة التي يُبنى عليها القرار الجيد، وهذا ما يمكن استنتاجه من زيارات وكلمات الرئيس الأخيرة.