الأنباط -
فتحت هجمات حركة حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بابًا على إيران، ودّت لو أنه يظل مغلقًا للأبد، حيث وجدت إسرائيل نفسها أمام فرصة تاريخية لإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية لـ "محور المقاومة" الذي تقوده إيران، خصوصًا مع وجود غطاء أميركي وفّر لها الضوء الأخضر لتفكيك "وحدة الساحات"، والشروع في تهيئة البيئة الإقليمية بما يحقق أمنها القومي.
رغم توزع نقاط المواجهة مع إسرائيل على سبع جبهات، والتي يُفترض أنها تعمل في إطار "وحدة الساحات" الذي يشير للتناغم العسكري والتنسيق الفعال فيما بينها، إلا أن إسرائيل بدعم أميركي، نجحت في تفكيكها بالتعامل مع كل جبهة منها على حدة، علمًا أن "محور المقاومة" قبل أن يفشل في اختبار الحرب الإسرائيلية كان يشكل أهم أدوات إيران لموازنة الردع مع إسرائيل وتعزيز نفوذها الإقليمي، وبالتالي، أصبحت موازين القوى في الشرق الأوسط لصالح إسرائيل التي يبدو أنها ماضية في قذف كرة اللهب التي بدأت تتدحرج في قطاع غزة إلى عمق إيران.
لا يمكن استثناء إيران من حملة التغييرات الجذرية التي تُجريها إسرائيل في المنطقة، ولكنها قد تنفذ منها بخسائر أقل، فيما لو قدمت التنازلات المطلوبة، التي تضمن سلامة إسرائيل وعدم تهديدها، بالتخلي عن دعم الجماعات المسلحة التي وفّرت لها شبكة النفوذ الإقليمي الآخذة بالتلاشي. وثمة ما يدعم فرصة قبول إيران بالأمر الواقع، حيث لا يمكن إغفال أثر التحولات الداخلية في إيران على سياستها الخارجية، فالرئيس الإيراني الحالي، مسعود بزشكيان ينتمي للتيار الإصلاحي، ويطمح لإخراج بلاده من العزلة الدولية وتطوير اقتصادها، وهو ما لن يتحقق إلا بموازنة دقيقة بين الأولويات الداخلية مثل تحسين الاقتصاد والوضع الاجتماعي والانفتاح على العالم، والأولويات الخارجية التي يجب أن تشمل تخفيف التوترات الإقليمية، ولكنه يعتمد في الوقت نفسه، على قدرته في التأثير على مراكز القوى المهيمنة في إيران، على رأسها الحرس الثوري، الذي يتولى الإشراف على شبكة النفوذ الإقليمية وحمايتها.
أخيرًا، لا يمكن بأي حال، أن تحتفظ إيران بصيغتها القائمة وكامل أوراقها السياسية معًا، وسيتعيّن عليها في وقت لاحق، أن تضحي بجزء مما تملكه، قبل أن يتم جرها لمعركة أكبر، يكون فيها نظامها السياسي هو الضحية، ولا أعتقد أن إيران التي تضع حساباتها في ميزان العقلانية والبراغماتية أن تختار المجازفة بمصيرها.