الأنباط - إبراهيم أبو حويله
الدين يقف حدا في وجه الطغيان، فقال صل الله عليه وسلم" لا تطروني"، وقال انما أنا بشر، وقال لرجل عنده "هون عليك انا ابن أمرأة كانت تاكل القديد في مكة"، وقال " كلنا لآدم وآدم من تراب "وقال الله في كتابه" وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل "
بين التعليم المنحرف والتربية السقيمة والأخلاق الضعيفة، تقف صناعة الأمير او الحاكم عادلا كان او طاغية، كم هو مخيف حجم السلطة التي يمنحها الشعب لجالده طمعا ورغبا، ومخيف اكثر كيف تنخرط الشعوب في العنف وفي الدماء وفي منح السيطرة لإنسان مثلها، وتجعله المتحكم بمقدرات شعوب وحياتها ومستقبلها، هناك فئة تصنع عبيدا او خرافا تسير خلف الإنسان المجرد من أسباب القوة، إلا ما منحه له من حوله، فمن من هؤلاء يملك يومه او مستقبله، وما بايدن منا ببعيد فقد جاءه الحكم ولكنه فقد العقل والجسد، فلولا طاعة هذه الشعوب له، لا يستطيع ان يحقق شيئا، فضلا عن أن يتحكم بحياتها وحريتها ومستقبلها.
وهنا اقف دائما مع قدرة الإنسان على التحكم بنفسه، وعلى تحمل الأعباء والعواقب نتيجة عدم قيامه بالظلم أو المساهمة فيه، او قبوله بأي شكل من الأشكال، ونعم تبدأ الأمور صغيرة، ثم تعظم بعد ذلك ويكبر خطرها ويزداد حتى تطال كل شيء في المجتمع، قد تظن ان الاحداث التاريخية متعلقة فقط بالتاريخ، ومن المستبعد ان تحدث على ارض الواقع، فعندما تسمع عن فرعون فإنه فرعون ولى وانقضى، وكانت تلك الشعوب مستضعفة محكومة غير مثقفة، ولكن في الحقيقة تلك الشعوب، كانت مثقفة ومتعلمة، ولديها مدارس وديانة وعادات واخلاق، والحقيقة لا تتعلق بالتاريخ فقط، بل تتعلق بهذه الشعوب والقدرة على السيطرة عليها، والقيام بتوجيهها ضد مصلحتها، والسيطرة والتحكم بها لمصلحته هو، تحت مسميات مختلفة.
الطاغية يجد دائما الطريق التي تسهل له السيطرة على الشعوب، في عصورنا الحديثة تتعدد صورة الطاغية فمن هتلر إلى موسيلني إلى ستالين إلى فرانكو إلى نوريغا والقائمة تطول، والعجيب أن بعض هؤلاء تورط معهم النظام العالمي الغربي في احداث يندى لها الجبين، كما نرى اليوم مع النتن ياهو، خذ مثلا فرانكو ذهب ضحية العنف الذي قاده ضد اليسار في اسبانيا اكثر من نصف مليون انسان اسباني طبعا، هذا خلاف السجن والنفي وسرقة الاطفال من امهاتهن، طبعا لأن الامهات من اليسار فهن لا يستطعن تربية ابن وتنشأته نشأة سليمة، تتفق ومعايير فرانكو وتلك الثلة المتعصبة من الكاثوليك الذين معه، قاد فرانكو حربا لا هوادة فيها ضد كل اشكال اليسار، وكل المتعاطفين معه، ومن كان في يوم متعاطف معهم، ومن ظن بأنه متعاطف، لكن لماذا غض الغرب الطرف عنه، هل لانه غربي يريد الحضارة الغربية، ويريد ان يجتث جذور اي مظهر يعاديها او قد يعاديها ربما.
وحتى لا يذهب ذهنك بعيدا وتظن ان اليسار مظلوم، فاليسار كان يقوم بنفس الأفعال في كل البلدان التي حكم فيها بدءا من روسيا إلى الجمهوريات الإسلامية التي تم احتلالها عنوة، إلى افغانستان وغيرها، كان اليسار هو الصورة المطابقة تماما لما قام به فرانكو ولكن من الجهة الأخرى، القمع والقمع المقابل، القتل والسجن والنفي، كل هذه جرائم تنتقل من جهة إلى اخرى، من يملك السلطة يقضي على الأخر.
اما نوريغا فقصة مختلفة، هذا استغل ذكاءه ليصنع لنفسه مجدا قائم على الفساد المالي والسياسي والإجتماعي، والدماء والمخدرات والولاء للولايات المتحدة، التي ظلت تغض الطرف عنه، وعن استيلائه على السلطة، وعن كل جرائم غسل الأموال، والتجارة بالمخدرات والقتل. حتى تم قتل مواطن امريكي في بنما، فدخلت القوات الأمريكية واعتقلته وحاكمته وسجنته في بلادها، حنون العم سام مع البعض، خاصة إذا علمنا انه كان جاسوسها ورجُلها او رجْلها في بنما، وكانت عينه على اليساريين وخاصة كوبا.
طبعا لا يخلو عالمنا العربي من هذه الظاهرة، ويبدو أن هذه الظاهرة مستمرة ومتجددة، وقادرة على المقاومة والإستمرار رغم كل الظروف، فجزء من الطبيعة البشرية يهوى الخلود، ويسعى له بكل السبل، ومن هذه السبل، السلطة المطلقة والتي هي فساد مطلق، لقد حاول جورج اورويل تخليد هذه النزعة في روايته الرائعة " العام 1984 " والتي تظهر آليات ونزاعات وطبيعة الصراع في مثل هذه المجتمعات، ولكن الحقيقة أن كل متنمر ضعيف، وكل طاغية ضعيف، ولكن من يسيرون معه هم الذين يمدونه بأسباب وأساليب البقاء، وهو لديه مجموعات متكاملة من العقد، ولكنه يملك القوة العقلية والنفسية للسيطرة على المحيطين به والتحكم بهم ليكونوا في خدمته.
ولو أنه تم تحصين المجتمعات ضد هذه الظاهرة، وكيف أنه من الممكن عدم طاعة هؤلاء واعطائهم تلك السيطرة المطلقة التي يسعون خلفها على مجتمعاتهم، فهم يستخدمون مجموعات بشرية للسيطرة والتنكيل بمجموعات اخرى، وفي اكثر المواقف ينكل بمن ساعده على التنكيل بالآخرين، فهي سلسلة لا تنتهي، وفي وقائع كثيرة انقلب المظلوم ظالما، كما يحدث مع اليهود اليوم، هو يستغل فئة من الذين يتصفوب بالضعف والهشاشة النفسية والخسة في الطبع والأخلاق، ويسخرونهم ليكونوا خدما لهم، وهؤلاء هم يد الطاغية ورجله في السيطرة، ولو تخلى عنه هؤلاء لإنكشف ضعفه ولسقط صنمه، كما سقطت اصنام عدّة.
ان صناعة الإنسان، صناعة قادرة على جعله صاحب قرار ومبدأ وعقل، والأهم من كل ذلك يسعى بكل السبل للحفاظ على حريته وحرية الأخرين، ويحترم الأخرين وقرراتهم وحريتهم، ويسعى بكل السبل للحفاظ على الحقوق العامة والخاصة ويقوم بواجباته على أكمل وجه، فلا يغش ولا يخدع ولا يتساهل ولا يتهاون، ولا يسمح لأحد بالتطاول على الحق العام والحق الخاص، هذا هو السبيل لقطع الطريق على هؤلاء، هذه الأنفس المريضة التي تجر الويل لكل المجتمعات وخاصة مجتمعها، كما حدث مع فرانكو وستالين وهتلر ونوريغا، ومن أراد ان يرى مصير المجتمعات التي سارت خلف الطغاة، فقصصهم تملأ صفحات التاريخ ومواقع التواصل الإجتماعي.