الأنباط -
يارا بادوسي
بينما كنت أستعد ليوم عادي، خرجت صباحا واستقليت سيارة الأجرة للذهاب إلى عملي، كنت أبحث عن بداية يوم عادية ، لكن السائق كان لديه رأي آخر، ما إن بدأت الرحلة حتى لاحظت تعابيرالإمتعاظ على وجهه ، وقطع الصمت بضحكة ساخرة ، وقال :" كلهم بضحكوا علينا! قال شو؟ شركة "كارفور" انسحبت وصارت "هايبرماكس" وكأنهم غيروا الاسم بس وباقي كل شي مثل ما هو "
أومأت برأسي موافقة دون تعقيب ، انتهت الرحلة وصوت ضحكته الساخرة يتردد في رأسي ... وصلت إلى مكتبي وما زال صوت ضحكة السائق الساخرة يتردد في ذهني ، بدأت أتصفح مواقع التواصل الاجتماعي مستطلعة آراء الناس حول خبر انسحاب "كارفور" من الشركة الأم وتحولها إلى "هايبرماكس"، كانت التعليقات تتنوع بين الغاضبة والمتسائلة والمندهشة.
أحدهم كتب على منصة " اكس" :"يعني لو غيروا الاسم بس، شو استفدنا؟ مش المهم الاسم، المهم إنها كانت شركة تابعة!"
وآخر على "فيسبوك" يقول: "خطوة ذكية من 'كارفور'.. لكن لازم نشوف لو رح يكون فيه فرق فعلاً".
تعليق آخر جاء بنبرة استهزاء: "والله هاي حركة تسويقية لا أكثر! يا ريت لو نعرف الحقيقة كاملة." لكن بين كل هذه التعليقات المتشككة، كان هناك من يدعو لدعم القرار، فكتب أحدهم: "لو انسحبوا فعلا من الشركة الأم، هذا لازم يكون موقف يشكروا عليه، ويعني إنهم استجابوا لمطالب الناس."
صوت زميلتي ، المسؤولة عن أخبار الطقس في الجريدة قطع إنسجامي وهي تناديني بحماس لأشاركها مشاهدة زخات المطر ، مؤكدة بذلك دقة توقعاتها للطقس اليوم وآخر خبر كانت قد رصدته حول الحالة الجوية لهذا الأسبوع.
وفي تلك اللحظة ، بدأت أفكاري تنحصر حول وجبة الغداء لهذا اليوم ، وقررت أن أعد شوربة العدس كما كانت أمي تحضرها لي مع أولى قطرات المطر كل موسم.
وبعد يوم لطيف مليء بمهام العمل المتواضعة وفي طريقي بالعودة إلى المنزل، قررت التوقف عند بقالة صغيرة لأشتري العدس أو ما يسمى بـ "لحمة الفقراء". وعند باب البقالة، سمعت صاحب البقالة وزبونا يتحدثان عن الموضوع ذاته.
كان الزبون يقول للبائع: "يعني شو هالإستغفال هذا! إحنا بنقاطع شركة ، يغيروا الاسم بس ونكمل نشتري منهم!
نظرت حولي ، ورأيت آخرين يبدون متفقين معه ، وكأن هناك إجماعا بين الناس على أن المقاطعة استمرت لعام كامل وعن كيفية تضرر الشركة وخسائرها المتواصلة ، ومع ذلك لا يزال الكثيرون يشككون في خطوة " كارفور" بتحويل اسمها إلى "هايبرماكس".
بدا الأمر وكأن الناس لم يقتنعوا تماما بأن الشركة قد تخلت عن اسم العلامة التجارية.
كانت هذه الأحاديث والتعليقات تظهر مدى انقسام الآراء بين من يرى الخطوة تحايلا وبين من يراها استجابة محترمة لمطالب المقاطعة، لكن مهما اختلفت الآراء، فإن اتخاذ قرار كهذا من شركة بحجم "كارفور" لم يكن بالأمر السهل؛ فهو قرار يعكس احتراما لصوت الناس وتأثرا بضغطهم بعد عام كامل من المقاطعة التي كبدت الشركة خسائر ملموسة.
في هذا السياق، يشكل قرار "هايبرماكس" بالانسحاب من الشركة الأم سابقة مهمة، وإشارة قوية على أن صوت المستهلكين له أثر فعلي يمكن أن يمتد لأبعد من مجرد كلمات على مواقع التواصل، حين تتخذ شركة بحجم "كارفور" قرارا قد يبدو صعبا كهذا ، لكنها أيضا تظهر التفهم الحقيقي لتوجهات الناس واحترام مطالبهم.
مثل هذا الموقف يجب ألا يمر مرور الكرام؛ فدعم هذه الشركة اليوم ليس دعما لاسم جديد أو علامة تجارية فحسب، بل هو دعم لمبدأ لطالما سعى المستهلكون إلى ترسيخه" أن الشركات التي تحترم المجتمع الذي تخدمه وتستجيب لصوته تستحق الاحترام والدعم."
وهذا قد يكون بداية لنهج جديد تتبعه باقي الشركات، لتدرك أن بناء علاقة الثقة مع الجمهور لا يعني فقط تقديم منتجات وخدمات جيدة، بل الاستماع إلى ما يقوله الناس، والعمل بناء عليه.