الأنباط -
خليل النظامي
وقف وزير الخارجية الإسرائيلي فجر اليوم بملامحه الصارمة وتعبيراته الجامدة، يدعو إلى "تفكيك حماس” كمن يقترح تغيير ديكور غرفة في منزله، ويتحدث بلهجة المتيقن، وكأن الحركات الثورية أفكار هشة يمكن تذويبها بكلمات من خلف منصة مكيفة.
يا عزيزي الوزير ،، دعنا نُبَسّط لك المسألة، حماس ليست بضعة رجال يرتدون الفوتيك العسكري ويحملون البنادق،،،
خذ عني ،،،،
إنهم أبناء الأرض، الذين شبوا على صخرها الصلد وتحت شمسها الحارقة، فكر في طفل ولد تحت طنين الطائرات، في شاب وجد الحصار جزءاً من يومه كوجبة الإفطار، في أم تودع أولادها إلى المدارس وهم يعلمون أنهم قد لا يعودون سالمين، هؤلاء هم حماس؛ هم الفكرة التي تريد تفكيكها.
قد يكون لك يا إبن سارة طموحات سياسية وأحلام شخصية في محو حماس، وربما تستمتع بلياليك الهادئة في التفكير في استراتيجيات "التفكيك”، لكنك نسيت أمراً بسيطاً وجوهري؛ الأفكار يا إبن اللعينة لا تُحارب بالصواريخ ولا تُسجن بالجدران، وهل تعلم لماذا؟ لأن الأفكار، على عكس الجدران، لا تشيخ ولا تتهدم، الفكرة تعيش، تتكاثر، تنتقل من جيل إلى جيل، كأنها رسالة مشفّرة تتحدى كل محاولات التعتيم والقمع،، أوعيت قولي.؟
ولنفترض جدلاً أن إسرائيل بدباباتها وجيشها وتاكنولوجيا العسكرية الرقمية، قررت فعلاً "تفكيك حماس”، هل سيدخلون الأنفاق التي حُفرت بالعرق والتضحيات، أم سينقضون على فكرة المقاومة كما ينقضون على ورقة منزوعة الأهمية؟ ومن سيخبرهم أن الفكرة لا تموت بموت حامليها؟ هل سيجمعونها في أكياس محكمة الإغلاق، ويضعونها في غرفة مظلمة بانتظار أن تختفي؟ أم أنهم سيحاولون تجريد الناس من حقهم في الحلم بحرية أرضهم؟ إخبرني بكل صراحة ،، كيف ستكون العملية؟ أي عجب هذا يا إبن الساقطة،،!!!
لكي تُفكك حماس، ستحتاج إلى تفكيك عقول العرب والمسلمين وأرواحهم، إلى اقتلاع الذكريات من قلوب الأجيال خاصة الاطفال، وإلى محو التاريخ من جدران الحارات والشوارع، ولكي تُفكك فكرة المقاومة، ستحتاج إلى هندسة نسيان جماعي؛ نسيان الجراح، ونسيان الخسارات، ونسيان الإبادات الجماعية، ونسيان قصص الأمهات اللواتي يحتفظن بصور أبنائهن الشهداء تحت الوسائد في الخيم.
الإمعة الوزير،،،تعتقد أنك تستطيع القضاء على فكرة نبتت في تربتها، وترسخت في نفوس أهلها، كأنك تستطيع تجريد المحيط من أمواجه أو فصل الصحراء عن رمالها، لكن، دعني هذا الفلاح القروي الأردني الجبلي يخبرك سراً، الفكرة تعود دوماً، وتتجسد بألف شكل ولون، الفكرة التي حاول أسلافك الذين ينعمون بالجحيم الان مع أبا جهل طمسها لم تختف، بل تحولت إلى رموز، إلى أنشودة، إلى حكايات وقصص تُروى في كل بيت وفي كتب المدارس والجامعات، إلى أغنية تُنشد في ليالي الحصار، إلى عزيمة تشتعل في قلوب الصغار قبل الكبار.
حماس ليست تنظيمًا عابرًا يمكن التعامل معه بمقاييس القوة والجبروت، ولا مقاومة تنتظر الرحيل على موعد طائرة خيانة، انها جزء من نبض أرضها، ولن تفككوا نبض الأرض، كما لا يمكن تفكيك الصدى من عمق الجبل، أو العطر من زهوره.
إذن، معالي وعطوفة وسعادة الوزير التافة، دعني اسألك بكل سخرية: كيف ستفكك الفكرة ؟