الأنباط -
التشدد ...
أنا شخصيا أؤمن بأن القسوة والقبضة الأمنية لا تخلق جيل مؤمن بربه ملتزم بعقيدته، يسعى لحمل رسالته في نفسه فضلا عن أن ينقلها للناس من حوله، ولكن ما حدث كان أكبر من ذلك، نعم كان هناك مظاهر أمنية في التنفيذ والتقيد بالأخلاق ولكن كان هناك تربية وتعليم ودعوة أيضا و(مجالس لعلماء ) ، وعمدا وضعتها بين هلالين، ولكن كان لكل ذلك صورة موجودة، ولكن هذه الصورة لم تصمد في وجه موجة ولا أقول طوفان .
نحتاج إلى وقفة جادة والنظر بجد أكبر إلى كل تلك الوسائل والسبل التي تم إعتمادها سابقا وساهمت في ظهور هذا الجيل، ولماذا الحرية الفكرية والعقدية والإنفتاح هي بيئة تزهر فيها أخلاق حميدة ومواقف رجولة وتدين سليم .
هناك خلل واضح في تصرفات البعض، وتزداد الهوة إتساعا في مناطق كنّا نعدها محاضن للفكر والتربية والأخلاق، وهناك في المقابل نضوج وصمود وفكر في مناطق كنّا نظنها محاضن إفساد وفساد وبيئة غير صالحة للتربية .
المناطق التي فيها تركيز كبير على التربية الدينية والتوجيه والحرص على الأخلاق والعمل على وضع العديد من القواعد، والفصل بين الجنسين، والتشديد في المدارس والجامعات والأماكن العامة والخاصة، خرجت أجيال أبعد ما تكون عن الإلتزام الأخلاقي فضلا عن التربية الدينية، وبعيدة كل البعد عن قضايا الأمة المصيرية والوجودية فكرا وثقافة وعقيدة .
لماذا هذا التشوه الفكري والعقدي والأخلاقي، ولماذا لم تستطع هذه المناهج أن تحافظ على الحد الأدنى من الأخلاق والقيم والتربية الدينية واتكلم عن البعض طبعا، وسقطت مع أول تحدي، كيف لتعب السنين وهذه التربية الشديدة وهذا التوجيه المتبوع بسلطة قضائية وأمنية أن يسقط، بمجرد سقوط مظاهر القوة التي كانت تحافظ عليه .
هذا التشوه يزداد حتى أنه وصل إلى حد التخلي عن كل شيء في سبيل حضور حفلة لتلك المغنية العالمية أو الضحك ملأ الفم على تصرف سخيف من هذا أو موقف أسخف من ذلك، أو حتى في محاربة من يقف موقف أخلاقي، ويرفض المشاركة والإحتفال ويحاول أن يذكر بعض المسلمين بأن هناك فئة قليلة مظلومة من المسلمين تقتل أطفالها ونساؤها ورجالها بغير ذنب ولا نصير إلا أنهم يريدون التحرر من عدوهم، اليس هذا جهاد دفع وهو واجب ، وواجب أيضا ان تنصر أخاك بما تقدر عليه والا وقع عليك الإثم، اليس هذا دين أيضا.
وعلى أقل تقدير يجب أن نكون معهم حتى لو شعوريا، بما أننا لا نملك من اوسائل الرجولة أو المقومات النصر والإعداد ولا الأسلحة ولا الطائرات ما ننصرهم به ونساعدهم بإيقاف العدوان عليهم .
ولكن أصبح التشويه أكبر في الشكل والمضمون، حتى أن بعض هؤلاء أعلن بكل وقاحة بأنه يتمنى مثل ما تمنى عدوهم من قبل، أن يستيقظ ولا يجد هذه الفئة موجودة، ليبلعها البحر أو شياطين الأنس هذا غير مهم، ولكنه يريد أن يخلص منهم، وكأنهم يعيقون إستمتاعه بالحياة، وكيف يرقص على ألحان تلك المغنية ووقع الجثث الممزقة والاجساد المقطعة يزعجه .
وتظهر حتى ممن كنّا نظنهم ساقطين أخلاقيا مواقف تسجل لهم، وتحدث المفاجأة في المقابل من هذه الفئة التي كنّا نظنها على خلق، وصدق صل الله عليه وسلم حين قال إن رجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا باع أو ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها .
لن أقف كثير مع هذا الحديث مع ما يحمل من مؤشرات واضحة سوى في( يعمل بعمل أهل الجنة) هو مع القوم وليس منهم، هذا ما أراه، ولذلك علينا جميعا تربوين وأباء وعلماء أن نعود بشيء من الرويّة إلى الطريقة التي كنّا نربي فيها ونتعامل فيها مع هذا الجيل.
ونسعى إلى مراجعتها وتعديلها بما يتناسب مع النتائج ، والتصويب مرحلة بمرحلة وفقا لهذه النتائج ، وإلا إسقطتنا مغنية .
إبراهيم أبو حويله ...