الأنباط -
نحو جيل متطرف.. وتحريض مبكر .. وعنصرية ممنهجة
الأنباط – الاف تيسير
أثار انتشار مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا تظهر أطفالاً إسرائيليين يتلقون تعاليم عنصرية ومفعمة بالكراهية ضد العرب والمسلمين جدلاً واسعًا، يؤكد وجود توجهًا ممنهجًا لزرع أفكار التطرف والعنف في عقول الأجيال الناشئة داخل المجتمع الإسرائيلي.
الفيديو يظهر في بعض المقاطع طفل إسرائيلي صغير يستمع لوالده وهو يقرأ له كتابًا بعنوان "ألون ولبنان"، كتاب موجه خصيصًا للأطفال في المستوطنات، ويستهدف تعزيز مفهوم الاستيطان والسيطرة على الأراضي العربية، جرى تصميمه باستخدام الذكاء الاصطناعي ويُقدم سردًا قصصيًا لشخصية خيالية تُدعى ألون، والتي تتوق لزيارة لبنان، ولكن الأب يحذره من أن لبنان منطقة غير آمنة بسبب وجود "العدو".
إلى ذلك، تتعدد الحكايات التي تُغذي هذا الفكر؛ ففي مقطع آخر، يظهر عرض مسرحي يتم فيه تمجيد فكرة السيطرة على الأراضي العربية من خلال تسميات "إسرائيلية" للأطفال كـ"يردن"، وهو اسم مأخوذ من "الأردن"، ما يعزز فكرة الطموح الإسرائيلي لامتلاك المزيد من الأراضي العربية.
توجهات الترسيخ هذه، لم تقف عند القصص المصورة والحكايات، بل تعمقت في المناهج الدراسية التي تشرف عليها وزارة التعليم الإسرائيلية.
وفي السياق، يرى المختص في الشؤون الإسرائيلية الدكتور أيمن الحنيطي، أن المناهج الإسرائيلية تُسهم بشكل كبير في تشكيل الفكر المتطرف، حيث توجد مناهج مخصصة للمجتمع العلماني وأخرى مخصصة للمتدينين، ويشير إلى أن مناهج المتدينين هي الأكثر تطرفًا وتحريضًا على العنف، إذ تغرس أفكارًا ترفض الآخر وتُبرر الاحتلال والاستيلاء.
وأضاف لـ"الأنباط"، التوجهات المتطرفة في المناهج ترتبط بشكل مباشر بالسياسات الحكومية، حيث يُسيطر اليمين المتطرف على وزارة التعليم التي يعتبرونها وزارة سيادية ووسيلة لبث رؤيتهم الأيديولوجية.
إلى ذلك يشير الخبراء إلى أن التوجهات الحالية لوزارة التعليم الإسرائيلية تُسهم في تصدير جيل جديد يميل للتطرف ويؤمن بقوة بفكرة "أرض بلا شعب"، وهو مفهوم يُروج من خلال تحريف تاريخ المنطقة وتسميات المدن الفلسطينية، حيث يتم استبدال الأسماء العربية بأسماء عبرية مثل "أورشليم" بدلاً من القدس و"يهودا والسامرة" بدلاً من الضفة الغربية.
ووفقًا لتقارير حقوقية، فإن المنهاج الإسرائيلي يتجاهل بشكل متعمد وجود الشعب الفلسطيني وتاريخه على هذه الأرض، ويروج لفكرة أن فلسطين كانت دائمًا شبه خالية وأن الفلسطينيين طارئون عليها.
رئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي الدكتور حسان شرف، أكد أن المناهج الإسرائيلية تُعزز مفهوم "الرواية الصهيونية" وتُظهر الفلسطينيين على أنهم غرباء عن أرضهم، مشيرًا إلى أن محاولات الحكومة الإسرائيلية تُكرس مفهوم "فرق تسد"، حتى إنها بدأت بالترويج لتجنيد فئة الشباب في المجتمع الآرامي العربي بغية خلق شرخ بين الفلسطينيين أنفسهم.
وفي السياق ذاته، أشار الباحث والخبير التربوي الدكتور جبر الهلول إلى أن العقيدة الصهيونية تعتمد على فكر التفوق، ويرى أن العنف والإرهاب جزء أصيل من عقيدتها.
وتابع، أن الكيان الإسرائيلي يُسخّر جميع أدواته لتوجيه الأطفال منذ الصغر، في محاولة لصناعة مجتمع يكره العرب ويتجاهل حقوقهم التاريخية، ويدعم هذا التوجه أقوال متطرفة من قبل شخصيات مثل جابوتنسكي وبيغن اللذين أكدا أن التقدم مرهون بالقوة وليس بالسلام.
ويتفق معه الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات معبرًا عن استيائه من عدم وجود آلية لرصد المناهج الإسرائيلية في الأردن، معتبرًا أن هذه المناهج تُعطي الطلاب الإسرائيليين فرصة لفهم الجانب اليهودي للقضية فقط، بينما لا توجد أي مواد تعليمية في الأردن تتناول اللغة أو التاريخ العبريين، أو حتى تشرح للأطفال طبيعة الصراع مع إسرائيل.
وتابع لـ"الأنباط"، أن "معاهدة السلام" تمنع المؤلفين الأردنيين من تناول الصهيونية بوصفها عدوانية، إلا أن الدستور الأردني يقتضي تعليم الطلاب أن فلسطين أرض عربية يجب تحريرها.
وفي محاولة لتأصيل فكرة العداء للعرب لدى الطلاب الإسرائيليين، تتناول المناهج قصصًا تُظهر العرب بصورة سيئة وغير إنسانية، مثل قصة تروى للأطفال عن سائحة أجنبية تتعرض لمضايقات من قبل شبان عرب، ليُعزز الكتاب صورة أن العرب يتعاملون مع المرأة كالسلعة، ويمثل هذا جزءًا من الجهود المكثفة لغرس نظرة دونية تجاه العرب في عقلية الأطفال الإسرائيليين، من خلال القصص والدروس اليومية.
وبالنظر إلى تأثير هذه المناهج على الصراع المستمر، يرى عبيدات أن هذا التوجه يؤدي إلى تعميق الكراهية ويُضعف فرص التعايش السلمي، حيث يتم تصوير الفلسطينيين والعرب على أنهم أقل شأنًا من اليهود، وأنهم لا يستحقون الحياة على أرضهم، مشددًا ضرورة أن يتخذ المجتمع الدولي موقفًا واضحًا وصارمًا ضد هذه المناهج التي تعزز العنصرية وتحرم الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية.
وتؤكد الدراسات أن المنظومة التعليمية الإسرائيلية، وخصوصًا في ظل السيطرة المتزايدة لليمين المتطرف على وزارة التعليم، تُعمق من جذور العداء تجاه الفلسطينيين وتُعرقل أي جهود للتعايش المشترك.
وتستمر هذه السياسة في تشكيل عقلية الأجيال الجديدة لتكون أكثر تشددًا، ما يعزز الهوة بين الشعبين ويمثل تهديدًا حقيقيًا لأي فرصة للسلام في المستقبل.
وبهذا، تواصل إسرائيل ترسيخ الأيديولوجيات العنصرية في مناهجها، مما يستدعي من المجتمع الدولي الضغط على الحكومة الإسرائيلية لتغيير سياساتها التعليمية والكف عن هذه الممارسات العنصرية التي تزرع بذور الكراهية والتعصب منذ الطفولة.