الأنباط -
د. حازم قشوع
منذ اندلاع حرب 7 أكتوبر كنت قد كتب ما يزيد عن 270 مقال أي معدل مقال كل يوم، متناولا حرب غزة من زاوية نظر أردنية بشكل علمي وموضوعي، وكنت قد استندت لشبكة مصادر اعلامية واخرى بينيه موثوقة، وهذا ما جعل معظم استخلاصاتي تكون في مجملها دقيقة، وهو ما جعلها تحقق نسبة مشاهدة عاليه لطبيعه الحاله التحليلية والبحثية التى تناولتها فى كتابه المقاله التى كانت تستند إلى معطيات تصل الى مستوى المعلومات مع كل مشهد مشاهد أو حدث ميداني مبين كان يظهر على السطح يستوجب التحليل لغايات البيان والاستنتاج، الأمر الذى جعل من هذا الجهد الذي قمت فيه طيلة حرب السابع من أكتوبر يمكن توثيقه عبر كتاب يحمل دلالة الموقف الاردني بالاقوال المقرونة بالأفعال من وحى الدليل والبرهان، كونه يستعرض البيان الأردني سياسيا ودبلوماسيا وانسانيا على الصعيد الرسمي وعلى المستوى الشعبي، كما بين زاوية النظر الاردنية في معالجة الأمور للقضية المركزية للأمة.
وهذا ما قام به الأردن بطريقة صياغة البيان الرسمي العربي، والوسائل التي تم بموجبها تحريك جميع روافعه السياسية لتكون منسجمة مع حالة التضحيات الميدانية التى يقوم بها الشعب الفلسطيني في تصديه للقوات الاسرائيليه، والتي كانت بحاجة لغطاء سياسي حرص الأردن على تقديمه من أجل تمثيل فلسطين القضية على كافة الأصعدة السياسية والمستويات الدبلوماسية في المحافل الإقليمية والدولية.
وهذا ما جعل الأردن يقود المبادرة ولا يستجديها فى بعض جوانبها الإنسانية الإغاثية والدبلوماسية، كما لا ينقاد للمناخات الميدانية او العسكرية من وحى حرصه لتحصين المجتمع الأردني بما يجعله منيعا من اية اختراقات على الرغم من حالات الاستفزاز التي تعرض لها الأردن نتيجة الافعال الاجرامية غير الإنسانية التي قامت بها آلة الحرب الإسرائيلية، والتى كان لها انعكاس مباشر على الصورة الكلية للحركة الشعبية، الا ان الاردن كان يحرص دائما على حماية بيته الداخلي بالاحتواء وفق معادلة تقوم على عدم الانقياد لحالة الاشتباك الدائرة، كما تعمل على الاشتباك الدبلوماسي والسياسي بذات السياق الذي تقوم فيه على لملمة الصف العربي حول القضيه الوطنيه الاردنيه والقضية المركزية للأمة التي يؤمن بها الأردن من وحى حرصه على بيت المقدس وفلسطين أيقونة الحرية.
اكتب هذه المقدمة بعد مشارفه حرب غزة على النهاية بكل تداعياتها الميدانية وكل شجونها الانسانية، وبكل ما خلفته من آثار دمار وأوجاع تدميرية عميقة بحاجة لوقت طويل للمشافاه والالتئام نتيجة جسامة التضحيات وحجم المعاناة التي تركتها هذه الحرب الأطول بالتاريخ العربي والاشرس بالتاريخ الإنساني، لأبين حقيقة ما موقف الأردن من دور قدمه بإخلاص إزاء ما يحدث من تداعيات وما يظهر من تصورات وما يسوقه بعض الكتاب من حقائق فى خضم زج الاردن بسرديه لا علاقة لها بسياق الحدث المنطوق، بل بسياق متصل مختلف البيان والعنوان.
حيث يتم إدخال أقوال منسوبة للأردن بغير مكان عن طريق تلبيس الاردن ثوب لا يليق لا بلباسه ولا بعناوين خطابه، وهذا ما فعله الكاتب الأمريكي "بوب وود وورد - Woodward" فى كتابه "الحرب"، الذي ذهب يجتزئ مقولة بسياق جملة ويضعها برواية أخرى ويقوم بمعالجة موقف بدوافع مختلفة، وهذا ما يعرف بتسييس الحقائق بادخالها بغير مكانها.
إن محاولة إغلاق المشهد بهذه الصور وبهذا التوقيت هى محاولة بائسه وغير موفقه وتحمل ما تحمل من ملابسات غير صحيحة، ليس بطريقة بيانها فحسب بل بطريقة ادخال السم بالدسم الذى يقوم به الكاتب، فان مسالة دعم حماس من قطر بمعرفة إسرائيل طيلة 15 سنة التي سبقت السابع من أكتوبر وهي مسألة معروفة ومعلومة، لكن عند اندلاع عدوان غزة الوحشي أصبحت المواقف واضحة ولا لبس فيها لان العدوان كان يستهدف التهجير بالترويع والشعب الفلسطيني وليس حماس او فصائل المقاومة، وهذا ما بينه قيام اسرائيل بتهجير قطاع غزة وتدميره بالكامل وجرح وقتل أكثر من 200 ألف بدعوى القضاء على المقاومة، وهذا ما شكل حالة استفزاز رفضها العالم أجمع كما رفضها الأردن وقام ببيانه في مواقفه المعلنة وغير المعلنة، ويمكن الاستدلال على ذلك من الرئيس ماكرون والرئيس بايدن كما من الإعلام الأمريكي الذي راح ليصف الملك عبدالله بصوت الأمم المتحدة والقانون الدولي في المنطقة، كما راح ليصف الملكة رانيا بصوت المرأه العربيه الواثقة من عداله ما تقف عليه من قضية انسانية.
وهي المعطيات التي تجعل مسألة نشر الكتاب بهذا التوقيت مسألة تحمل علامات استفهام كبيرة كما تحمل الكثير من اللغط لأنها تقوم بمعالجة خطيئة أمريكية قوامها الانحياز الاعمى لاسرائيل في حربها المجنونه على الإنسانية وعلى القانون الدولي بخطأ تحميله لأنظمة المنطقة، وهي محاولة مقروءة وغير موفقه كونها تحمل ما تحمل من تزييف للحقائق عبر اغتيال المواقف وليس فقط الشخصيات السياسية بمضمون هذا التوقيت المقصود.
صحيح أن لدينا بعض التحفظات على الطريقة التي أدارت بها حماس قطاع غزة، كما بأولويات مواقفها وطريقة تعاطيها مع منظمة التحرير، لكن ذلك نابع من حرص الاردن على حاله الاجماع الفلسطيني وعلى مسالة توحيد مرجعيته التى تعتبر مصدر قوته، لكن ما هو صحيح ايضا ان الاردن وقف موقف بائن لا لبس فيه عندما تعرض القطاع لهجمة وحشية إسرائيلية عبرت عنه الدبلوماسية الأردنية بسياسات جلية عندما اكد الاردن بجمله بيان واضحه ان الحركه الاسلاميه هى جزء من النسيج التعددي الأردني، وهو ما ظهر بالانتخابات النيابية الأخيرة عندما حصلت جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسي للإخوان المسلمين على ربع مقاعد مجلس النواب، وهذا يدل بالبرهان القاطع حالة الأردن وما يقف عليه من بيان وتصور بحيث يحافظ فيه على بيانه السياسي كما يحفظ عبره التعددية السياسية حتى لو أظهرت تقدم حزب معارض للحكومة وليس للحكم حواضن حضورها فى المجتمع الانتخابي، وهذا ما يسجل للاردن ولا يحسب عليها اليس كذلك "سيد بوب وود وورد" ؟. وهو ما يستوجب عليه إعادة البيان حتى يصبح مضمون كتابك يشكل موضوعية، فإن حرب غزة كشفت عن مكنون رسالة الأردن وبينت بيان مواقفه، وهذا ما سيظهره كاتب التاريخ عند الحديث عن الأردن وحرب غزة.