الأنباط – مي الكردي
في ظل التوترات السياسية والظروف المحيطة بالمنطقة وأزمات الحروب، تستمر القطاعات الاقتصادية في مواجهة عراقيل بسبب ارتفاع أسعار الفائدة على كافة القطاعات، مما يؤثر على استمرار الدورة الاقتصادية الشاملة للعمالة والإنتاج، رغم الكُلف المحملة بأسعار الفائدة العالية التي تحد من توسعها واستمرارها، وتؤدي إلى تقليص القدرة الإنتاجية والعمالة الوظيفية، وارتفاع أسعار السلع والمشتقات النفطية والمواد الخام، إضافة إلى تعطل سلاسل التوريد.
في هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي محمد القريوتي إن ارتفاع أسعار الفائدة يؤثر بشكل مباشر على الدورة الاقتصادية التي تشمل (العمالة، البطالة، والإنتاج) بسبب كلفة الاقتراض. إذ تعتبر كلفة أسعار الفائدة من العوامل المؤثرة بشكل مباشر على سهولة ممارسة الأعمال، خاصة عندما تكون أسعار الفائدة مرتفعة.
وبيّن في حديثه مع "الأنباط" أن القطاعات الاقتصادية تواجه كُلفًا عدة مرتبطة بأسعار المواد الخام وكلفة الصناعات الخدماتية والتجارية والطاقة والنقل، إضافة إلى كلفة الدورة الإنتاجية والكلفة الإضافية. فضلاً عن كلفة الاقتراض التي تُعد الأكثر أهمية اليوم نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة المؤثرة على الدورة الاقتصادية في كافة القطاعات.
وأشار إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة على المستويين العالمي والمحلي له دور في زيادة الكُلف المباشرة على الحكومات من حيث نسب المديونية والاقتراض، لأن خدمة الدين تُعتبر جزءًا من الأعباء المهمة. مُشيرًا إلى أن نسبة الديون على دول العالم مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي العالمي تجاوزت ثلاثة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي، مما شكّل ضغطًا كبيرًا على الاقتراض وخدمة الديون، التي تشمل كُلف أسعار الفائدة بالإضافة إلى أقساط الديون.
وأضاف القريوتي أن الدورة الاقتصادية ترتبط بشكل وثيق بالتوظيف، مما يعني ارتباطها بالعمالة والبطالة. وأوضح أنه كلما زاد نشاط الدورة الاقتصادية وممارسة الأعمال وقدرة القطاعات الاقتصادية على الإنتاج والتوسع، زادت نسب التوظيف وانخفضت البطالة. لكن عندما يقل نشاط الدورة الاقتصادية نتيجة الكُلف المحملة بارتفاع أسعار الفائدة، فإن ذلك يساهم في رفع معدلات البطالة وخفض الإنتاجية.
وأوضح أن علاقة أسعار الفائدة بأسعار الذهب معقدة تاريخيًا ومباشرة. فكلما ارتفعت أسعار الفائدة المرتبطة بالدولار، العملة المؤثرة عالميًا، زاد الضغط عليه، ما يؤدي إلى تقلبات في أسعار الذهب. تاريخيًا، كان ارتفاع أسعار الذهب ناتجًا عن ضعف العملات المؤثرة، وتحديدًا الدولار، نتيجة لكُلف الفوائد.
وتابع قائلاً: "مع ارتفاع أسعار الفائدة، تزداد الكُلف الإضافية على الأعمال، مما يؤدي إلى ضعف عملية التوسع في القطاعات الاقتصادية، وبالتالي يقل الاستهلاك والطلب على السلع والخدمات، مما يؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية". وأوضح أن التوترات السياسية والحروب الجارية، إلى جانب تعطل سلاسل التوريد وصعوبة الشحن ونقل المواد الخام بين الدول، كلها عوامل تؤثر على حركة الأعمال وترفع الأسعار.
وأشار إلى أن أسعار الذهب اليوم وصلت إلى مستويات عالية جدًا، ما يستدعي النظر في موضوع أسعار الفائدة للحفاظ على العملات، وتحديدًا الدولار، من خلال خفضها. ووفقًا لتوقعات الخبراء، قد تنخفض أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة مع نهاية العام.
ولفت القريوتي إلى تأثير أسعار الفائدة على المودعين، موضحًا أنه كلما ارتفعت أسعار الفائدة، زادت أسعار الفوائد على الودائع النقدية في البنوك، مما يؤثر سلبًا على الدورة الاقتصادية بسبب تجميد الأموال خارج الإطار الاستثماري. وأكد أن انخفاض أسعار الفائدة يعزز من الدورة الاقتصادية، إذ يؤدي إلى تقديم تسهيلات للمستثمرين وتمكينهم من تلبية التزاماتهم، مما يساعد القطاعات الاقتصادية على النشاط بشكل أكبر نظرًا لانخفاض كُلف ممارسة الأعمال.
وأشار القريوتي إلى أنه عند خفض أسعار الفائدة، يتوجه الناس إلى سحب أموالهم من البنوك لاستثمارها في شراء الأراضي والعقارات والسيارات أو فتح محال تجارية، وهو ما يولد عوائد اقتصادية أكبر من الادخار.
وفي السياق ذاته، أوضح الخبير الاقتصادي وجدي مخامرة أنه عندما تكون أسعار الفائدة مرتفعة، يزداد الطلب على العملات مثل الدولار أو الدينار، ما يساهم في زيادة الودائع والأوراق المالية المقومة بتلك العملات، مما يؤثر على أسعار الذهب الذي لا يعطي عوائد مالية كالدولار أو أي عملة أخرى ترتفع فائدتها.
وبيّن أن ارتفاع أسعار الفائدة يزيد من كُلفة التمويل، مما يشكل أعباء إضافية على الشركات التي حصلت على قروض بفوائد مرتفعة، ويحد من الاقتراض نتيجة ارتفاع كلفة التمويل، ما يؤثر سلبًا على أرباح الشركات ويقلل من توسعها.
ونوّه مخامرة إلى أن رفع أسعار الفائدة تحدده السياسة النقدية للبنك المركزي، مشيرًا إلى أن تشديد السياسة النقدية يزيد من أسعار الفائدة، مما يحد من تدفق السيولة في البلاد.
وأوضح أن العملة الأردنية مثبتة أمام الدولار وتتبع سياسة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. ولتعزيز جاذبية الدينار، يتبع البنك المركزي سياسة متشددة تتماشى مع الفيدرالي الأمريكي، مما يساهم في الحفاظ على فارق 2% - 3% بين سعر فائدة الدينار والدولار، ما يشجع الناس على الإيداع بالدينار بدلاً من الدولار.
وختم مخامرة بالقول إن ارتفاع كُلف التمويل العالية في الشركات الصناعية والخدماتية أدى إلى إفلاس بعض الشركات أو تقليص نشاطها، مما أجبرها على تسريح العمالة. وأكد أن ارتفاع أسعار الفائدة ليس إيجابيًا على الاقتصاد والشركات الصناعية، إذ يؤدي إلى زيادة معدلات البطالة والفقر.
ودعا مخامرة الحكومة إلى إعادة النظر في أسعار الفائدة المرتفعة، وكذلك أسعار الطاقة والضرائب، والبحث في إمكانية خفضها لدعم الاقتصاد. كما حث الحكومة على تقديم دعم إضافي للقطاعات الصناعية والخدمية، مشيرًا إلى أن البنك المركزي قدم قروضًا لبعض القطاعات بنسب فائدة منخفضة في مختلف المحافظات.