الأنباط -
د. أيوب أبودية
تتجلى أهمية الأبطال الوطنيين في قدرتهم على تجسيد القيم والمبادئ التي تشكل الهوية الوطنية، مما يعزز شعور الانتماء والفخر لدى أفراد المجتمع. فهؤلاء الأبطال، سواء كانوا قادة سياسيين، أو عسكريين، أو من المثقفين، يتركون بصمات لا تُنسى في تاريخ بلدانهم، وتصبح قصصهم مصدر إلهام للأجيال القادمة، كما ألهمتنا قصص أبطالنا مثل عنترة بن شداد، وصلاح الدين الأيوبي، وخالد بن الوليد، وسعد زغلول، وغيرهم.
في بريطانيا، يُعتبر الملك آرثر شخصية أسطورية تمثل الشجاعة والحكمة، حيث يُقال إنه قاد البريطانيين إلى النصر ضد الساكسونيين في القرن الخامس أو السادس الميلادي. ورغم أن بعض المؤرخين يشككون في وجوده التاريخي، إلا أن قصصه أصبحت جزءًا من التراث البريطاني، وكتب عنه أعظم أدبائهم، مثل شكسبير في القرن السابع عشر لاحياء تراث بريطانيا التليد.
أما الملكة إليزابيث الأولى، التي حكمت في القرن السادس عشر، فقد شهد عهدها ازدهارًا ثقافيًا واقتصاديًا، وتمكنت من التصدي للعديد من التحديات الداخلية والخارجية، بما في ذلك محاولة الغزو الإسباني. لذلك لها أهمية خاصة في أذهان البريطانيين، وما زالت.
وفي فرنسا، يعد شارلمان، الذي عاش في القرن الثامن الميلادي، أول إمبراطور للإمبراطورية الرومانية المقدسة، وقد لعب دورًا كبيرًا في توحيد أوروبا الغربية تحت حكمه، وساهم في نشر الثقافة والتعليم. كما أن جان دارك تُعدّ بطلة قومية فرنسية وقديسة رسمتها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في ما بعد، رغم أنها أُعدمت حرقاً بتهمة الهرطقة عندما كانت تبلغ 19 عاماً .ادّعت جان دارك الإلهام الإلهي، وقادت الجيش الفرنسي إلى عدة انتصارات مهمّة خلال حرب المئة عام، ممهدةً بذلك الطريق لتتويج شارل السابع ملكاً على البلاد.
وتشه جيفارا الأرجنتيني، وهو طبيب وكاتب وزعيم حرب العصابات وقائد عسكري ورجل دولة عالمي وشخصية رئيسية في الثورة الكوبية. سافر جيفارا عندما كان طالباً في كلية الطب بجامعة بوينس آيرس، التي تخرج منها عام 1953، إلى جميع أنحاء أمريكا اللاتينية مع صديقه ألبيرتو غرانادو على متن دراجة نارية وهو في السنة الأخيرة من الكلية، وكونت تلك الرحلة شخصيته وإحساسه بوحدة أمريكا الجنوبية وبالظلم الكبير الواقع من الإمبرياليين على المزارع اللاتيني البسيط، وتغير داخلياً بعد مشاهدة الفقر المتوطن هناك. واليوم أصبحت صورته منذ وفاته رمزاً في كل مكان وشارة عالمية ضمن الثقافة الشعبية.
أما في العالم العربي، فتبرز شخصيات تاريخية مثل الملكة بلقيس، أو ملكة سبأ، التي يُقال إنها حكمت مملكة سبأ في اليمن، كما كان عنترة بن شداد، الذي عاش في القرن السادس الميلادي، شاعرًا وفارسًا عربيًا مشهورًا في الجاهلية، وقد اشتهر بشعره الحماسي وغزواته، ويعتبر من أبرز الشخصيات في الأدب العربي القديم. وملكة تدمر زنوبيا التي قادت مع زوجها أذينة عصياناً على الإمبراطورية الرومانية تمكنا خلاله من السيطرة على معظم سوريا. وقد آثرت أن تسمم نفسها على أن تدخل روما أسيرة.
كذلك سيف بن ذي يزن، الذي حرر اليمن من الاحباش، والشهداء الذين لن تنساهم ذاكرتنا مثل الحسين بن علي بن أبي طالب، وجعفر الطيار، وزيد بن حارثة، وعبدالله بن رواحة، وغيرهم ممن استشهدوا وهم يقاتلون. وفي العصر الحديث لدينا عمر المختار وعبد القادر الجزائري ويوسف العضمة وسليمان الحلبي وجميلة بوحيرد وسناء محيدلي وإبراهيم أبودية وعبدالقادر الحسيني ويحيى عياش ويحيى السنوار وغيرهم ممن قاتوا حتى الرمق الأخير فأصبحوا أبطالا على لسان الجميع.
هذه الشخصيات، سواء كانت حقيقية أو أسطورية، تلعب دورًا مهمًا في تشكيل الذاكرة الجماعية للأمم، وتساهم في تعزيز الفخر الوطني والانتماء الثقافي والاجتماعي والقومي. فالاحتفاء بالأبطال الوطنيين يعزز الوحدة الوطنية ويحفز الأفراد على الاقتداء بهم، مما يساهم في بناء مجتمع متماسك وقوي يسعى لتحقيق أحلام أمته في التحرر والنهوض.