الأنباط -
البنية التحتية قوية، والمواهب والبحث العلمي في سبات عميق
الأردن في المرتبة 63 عالميا و6 عربيا على المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي
الأنباط – خليل النظامي
يشهد العالم اليوم ثورة غير مسبوقة في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ أصبح استخدام هذه التكنولوجيا أداة رئيسية لتحقيق النمو الاقتصادي والتقدم التكنولوجي، وتتسابق الدول المختلفة لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي وتطوير بيئات خصبة تدعم التحول الرقمي.
الأردن، كغيره من الدول النامية، يسعى إلى مواكبة هذه التغيرات، إلا أن تحقيق هذا الهدف يواجه مجموعة من التحديات التي تنعكس في المؤشرات الإحصائية المتعلقة بالقدرة على الاستفادة من هذه التكنولوجيا، إذ أشارت أخر الإحصائيات الى أن الأردن احتل المرتبة 6 عربيا و63 عالميا في المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي الذي ضم 11 دولة عربية من بين 83 دولة تضمنها التقرير للعام 2024.
ويقيس التقرير الذي أطلق منذ 2019 من قبل "تورتويس إنتليجينس" التقدم في الذكاء الاصطناعي في الدول من خلال تحليل الاستراتيجيات الوطنية، ومقارنتها بحجم الإنفاق الحكومي، من خلال عدة مؤشرات أساسية، إذ تتضمن المؤشرات الأساسية: الاستراتيجية الحكومية والبيئة التشغيلية والبنية التحتية والأبحاث والتطوير والكفاءات والتجارة، وتضم 122 مؤشرا فرعيا تعتمد على بيانات القطاعين العام والخاص.
وبالنظر إلى المؤشرات الاحصائية اعلاه، يظهر بوضوح أن الأردن يواجه مجموعة من التحديات الجوهرية التي تعوق انتشار هذه التقنية بشكل فعّال، فـ المؤشر العام الذي سجل 63 نقطة، يعكس أننا نقع في موقع متوسط مقارنة بالدول الأخرى، في ظل وجود محاولات لاحتضان الذكاء الاصطناعي وتطوير بيئة تدعمه، إلاّ أن هذا المؤشر وحده لا يكشف عن تفاصيل الواقع المعقد؛ بل يتطلب تحليلًا دقيقًا للمؤشرات الفردية لفهم نقاط القوة والضعف في رحلة الأردن نحو اعتماد الذكاء الاصطناعي.
وعند تحليل المؤشر المرتبط بـ المواهب والذي سجل 45 نقطة، نجد أن واحدة من أكبر العقبات التي تواجه الأردن تتمثل بـ نقص المواهب المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، خاصة أن علم الذكاء الاصطناعي كغيره من العلوم الحديثة والمتقدمة يتطلب كوادر بشرية مؤهلة في مجالات البرمجة، وتحليل البيانات، وتطوير الخوارزميات.
ضعف المؤشر يعكس إشكالية أعمق تتعلق بتطوير المهارات التقنية اللازمة لتبني هذه التكنولوجيا بشكل واسع، علاوة على أن هذا النقص قد يؤدي إلى تأخير تطبيق الحلول المبتكرة في هذا المجال، إضافة إلى إضعاف القدرة على المنافسة عالميًا، إذ من الصعب على أي دولة أن تحقق تقدمًا في مجال الذكاء الاصطناعي دون توفر المواهب المتخصصة التي يمكنها تطوير وتطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل فعّال في القطاعات الحكومية والخاصة كافة.
في المقابل، يظهر مؤشر البنية التحتية بدرجة 72 أن الأردن يمتلك بنية تحتية تقنية مقبولة نسبيًا، الأمر الذي يعني أننا نمتلك الأساس الذي يمكن أن يبني عليه لتبني تقنيات وبرامج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، كـ توفر خدمة الإنترنت عالية السرعة، ومراكز البيانات يمكن أن يوفرا الدعم اللازم لتشغيل أنظمة الذكاء الاصطناعي التي تحتاج إلى موارد حوسبية ضخمة ومعالجة بيانات كثيفة، إلاّ أن البنية التحتية التقنية ليست كافية لتحقيق التقدم المطلوب في هذا المجال إذا لم تكن مدعومة باستراتيجية حكومية واضحة وبيئة تشريعية وتنظيمية مشجعة للممارسة الفعلية.
تحليل مؤشر البنية التحتية يقودنا إلى مؤشر بيئة التشغيل، الذي سجل نقطة 35، ما يعكس وجود عقبات تنظيمية وبيروقراطية تعرقل تبني الذكاء الاصطناعي، وهذا ما يجب أن تتنبه له حكومة الدكتور جعفر حسان الجديدة، إذ تعتبر القوانين والتشريعات التي تحكم استخدام التكنولوجيا عاملاً حاسمًا في تحديد مدى قدرة الدول على تبنيها، فقد يكون هناك نقص في التشريعات التي تعزز استخدام الذكاء الاصطناعي أو تلك التي تضمن عملية تنظيمه بشكل آمن ومستدام، الأمر الذي يؤدي إلى تردد الشركات والمستثمرين في دخول هذا المجال.
أما بالنسبة الى مسألة البحث والتطوير، فقد سجل الأردن درجات متوسطة مع 61 في مؤشر البحث و 72 في مؤشر التطوير التكنولوجي، وهذه النتائج تعكس جهودًا متواضعة في مجالي البحث والتطوير، إذ يوجد بعض النشاط البحثي والتطويري، لكنه ليس بالقوة الكافية لدفع عجلة الابتكار في الذكاء الاصطناعي.
ولـ تعزيز هذه المؤشرات يجب على الحكومة والجهات الخاصة أيضا ؛ زيادة الاستثمارات في البحث العلمي والابتكار إضافة إلى تحفيز الجامعات ومراكز الدراسات والأبحاث العلمية بهدف تقديم حلول قائمة على الذكاء الاصطناعي يمكن تطبيقها في السوق المحلي الأردني وربما الدولي.
الجدير بـ الذكر هنا ؛ يجب أن لا ننسى أن الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات تؤدي دورًا محوريًا في تعزيز استخدام وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي من خلال بناء قدرات علمية متقدمة وتقديم برامج أكاديمية متخصصة، فضلا عن أن هذه المؤسسات يمكن أن تسهم في سد فجوة المواهب التي تعاني منها الأردن وفقا لنتائج المؤشرات.، من خلال تضافر الجهود بين القطاعين الأكاديمي والصناعي لإعداد جيل من الخريجين، والتعاون مع القطاعات الاقتصادية المختلفة لتطوير حلول ذكاء اصطناعي مخصصة تحل مشكلات محلية، علاوة على استقطاب الدعم الحكومي والتمويل الدولي الذي يسهم في رفع تصنيف الأردن عالميًا في مجالات البحث والتطوير المتصلة بالذكاء الاصطناعي.
أما على صعيد استراتيجية الحكومة الحالية، فإن تسجيل 29 نقطة يعكس ضعفًا ملحوظًا في التخطيط الحكومي لدعم الذكاء الاصطناعي، إذ يمكن أنم يؤدي غياب استراتيجية وطنية واضحة لتبني الذكاء الاصطناعي إلى تباطؤ في تحقيق أي تقدم ملموس في هذا المجال، خاصة أن الحكومة ومؤسساتها تؤدي دورًا محوريًا في رسم السياسات وتقديم الحوافز المالية والتشريعية التي تعزز تطوير التكنولوجيا الرقمية، وبدون هذا الدعم، يصبح من الصعب على القطاع الخاص أو الأوساط الأكاديمية أن تدفع بعجلة التطور التكنولوجي بمفردها.
وبـ الرغم من كل التحديات أو البطء في سير عملية تطوير منظومة الذكاء الاصطناعي أردنيا نجد أن مؤشر الجانب التجاري حصل على درجة إيجابية بلغت 80 نقطة، الأمر الذي يشير إلى أن بعض الشركات الأردنية بدأت بتبني منظومة الذكاء الاصطناعي في بعض تطبيقاتها التجارية، ما يوضح أن هناك فرصًا حقيقية لاستخدام هذه التقنية لتعزيز القدرة التنافسية في الأسواق، ما يتطلب وجود جهود إضافية لتمكين المزيد من الشركات من الاستفادة من هذه التكنولوجيا، خصوصًا الشركات الناشئة والمتوسطة والمبادرات الفردية لدى المبدعين من الشباب الأردني.
وأخيرًا، سجل الأردن 63 نقطة على مؤشر النطاق و 64 نقطة على مؤشر الكثافة، الأمر الذي يشير إلى أن استخدام تقنيات وتطبيقات ومنظومة الذكاء الاصطناعي محدود بشكل عام، وغير موزع بشكل متوازن في القطاعات المختلفة، ما يعني أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الاردن محصور في قطاعات معينة، أو أنه غير معتمد بشكل واسع النطاق في مختلف جوانب الاقتصاد الأردني.
عملية تحليل المؤشرات سالفة الذكر، تشير الى أن الأردن بحاجة إلى تحرك استراتيجي لتعزيز تبني منظومة الذكاء الاصطناعي، بدءًا من تطوير المواهب وزيادة الاستثمارات في البحث العلمي والتطوير، مرورًا بتحسين البيئة التنظيمية، ووصولاً إلى دعم الحكومات بتبني استراتيجيات وطنية شاملة، وبغير ذلك لا يمكن لـ الأردن أن يصبح لاعبًا فعّالًا في عالم الذكاء الاصطناعي المجنون.