الأنباط -
ما يعاني منه الوطن معلوم للجميع ، وهناك مشاكل اصبحت عابرة للرؤساء ، وما يصرخ به المواطن والقطاع الخاص مطالبا يبدو انه يصطدم بجدار من البيروقراطية والروتين ، أين تذهب هذه المطلبات ولماذا لا تجد اذن صاغية ، ولماذا تتكرر مشاكلنا ولا تجد حلا .
هل المشكلة حقا في وزارة المالية واعتبار قررات وزارة المالية واولوياتها هي المقدمة ، وهنا كما اشار اكثر من باحث نصطدم بالواقع المرير ، فعندما تبحث الوزارة عن ايرادات فإنها في العادة تعتمد نفس الإجراءات ، وهذا ما يبدو ان رؤساء الوزراء عبر عشرات السنوات اعتمدوه ، خروجا من فكرة الصدام أو الإعتماد على افكار خارج الصندوق او التغيير الذي يحمل مخاطر ولا يقدر عليه إلا من لديه رصيد ثقة مرتفع من الجهتين الرسمية والشعبية .
ورغم ان الضرائب اطاحت برؤوس كبيرة لن نمر عليها ، ولكن ما يهمنا هنا هو الطريقة التي نفكر بها ولم نغيرها ، مررت اليوم بالبنك الذي اتعامل معه ، وافادني بانه لم يتم انجاز ولا معاملة بيع لمركبة كهربائية منذ صدور القرار ، اضافة إلى إلغاء كل المعاملات التي كانت قائمة ، نقطة نهاية السطر .
بمعنى انه اذا كان هناك عدد معين يتم بيعه يوميا لنقل مائة مركبة ، فلن يتم بيع عشر هذا العدد في احسن الأحوال وهل كسبت الخزينة شيئا أم خسرت وخسر المواطن ، مهما كان مبرر رفع سعر الضريبة على المركبة فهو لم يحقق الهدف ، وهذا ما نكرره ونعيده وما حدث سابقا وما سيحدث لاحقا ، ارفع الضريبة على الملابس سيتوقف الناس عن الشراء ، ارفع الضريبة على نقل الملكية ستنخفض المعاملات بشكل كبير ، وهذا ما حدث عندما تم تحرير اسعار الطاقة فرت المصانع الكبرى ولم تعد ، وما حدث اليوم هو من قبيل ذلك الدرس الذي تعلمناه في الأمس ، او المفروض أننا تعلمناه .
هل يستطيع رئيس وزراء أن يخرجنا من عنق الزجاجة ، ادرك تماما أن المشكلة عويصة على الحل ، يجب ان تكون لديك الخبرة والدراية والدراسة وخطة مقنعة ، نعم هناك من سيقف لك بالمرصاد أن مسست مصالحه ، او لم يحقق فائدة ، وستضطر اسفا ان تظهر القوة هنا ، كما ان هناك من يبحث عن شعبية وسيحاول ان يكون البطل ، وكما لديك من تحملهم الكلمة والإشاعة والشك بعيدا وعليك التعامل مع كل هؤلاء ترغيبا وترهيبا.
ويجب ان تكون الخطة مدروسة تحمل عناصر نجاحها ولا تعتمد على الضريبة ، ولكن تبحث عن المفاتيح الأخرى في الوطن وتحاول ان تجد الحل هناك ، لدينا العديد من المفاتيح من الزراعة إلى السياحة إلى التقنية والبرامج الإلكترونية والتكنولوجيا ولدينا عقول تعمل في السيلكون فالي ، ولدينا النقل والاسكان والطاقة والصناعة ، لدينا الإنسان ولدينا وطن آمن ومستقر بفضل من الله وجهد كبير مقدر ومخلص من كافة ابنائه ، لدينا موقع وطقس وبيئة ، ولدينا الكثير من الثروات الداخلية والخارجية تبحث عن ملاذ آمن .
ملاذات آمنة بعيدا عن تلك الضريبية وغيره لاطبعا ولا تهدف إلى غسل الأموال ، ولكن نعم لدينا ملاذ آمن مستقر وقادر على جذب الإستثمارات وقادر على اقناع فئة كبيرة باللجوء إلى هذا الوطن الصغير نسبيا والكبير في الكثير من المجالات ، لدينا دينار مستقر ومواطن يعرف قيمة وطن آمن ويعرف حدوده ولا يعتدي وما يريده ما هو إلا حق وكرامة وعمل يحفظ عليه انسانيته ، ويكفيه طيب المعاملة والإحترام ومن الممكن بعدها ان يتنازل حتى عن حقه ، طبعا لا نريد هذا ولن نسعى إليه ، ولكن هذه نقطة مهمة عند التفكير بالإستثمار ، ومناطق كبيرة وشاسعة وجهاز امنى قادر وقوي ومتعلم ومحيط تماما بالأخطار الداخلية والخارجية .
ولدينا عقول وطاقات متعلمة وخبيرة ولدينا شباب وايدي عاملة وطاقة متوفرة ، نعم لدينا مشكلة في المياه ، ولكن هناك حلول كثيرة ومتعددة لهذا الأمر وفي كافة المجالات ، ونستطيع الإعتماد على هذه الحلول في ايجاد العديد من المجالات وخلق الكثير من الفرص والمشاريع الصغيرة والكبيرة ، ولدينا وطن عربي ملتهب ، ولكن ما زال برأيي هناك مساحة كبيرة للحركة ولا نسعى لأن نكون انتهازيين ايضا في زمن الحروب ، وما يقوم به الأردن التزاما تجاه قضايا أمته يدركه كل منصف .
لكن هل يستطيع رئيس الوزراء أن يخرج من عباءة وزير المالية ويمارس مهامه القيادية لهذا الفريق بعيدا عن سحره ، هذا السحر الذي مارسه في الأعم الأغلب على كل من سبق في موقع الرئاسة وكان له اثر سيء عليهم .
هناك حكمة غربية تقول بأن المدير المالي والمحامي يجب ان لا تضعهم في مقعد القيادة ، فالأول همه النفقات وضبطها وزيادة الإيرادات ، والثاني يغرق في الحس الأمني ويعلق في التفاصيل التي تحميه او تنجيه في حال حدوث امر ما .
والقيادة كما نعلم امر مختلف ، بعض من مروا على موقع الرئاسة وليس دولة جعفر حسان ببعيد عن هذا ، لا تنقصهم الخبرة ولا المعرفة ولا العلم فهو خريج هارفرد ويحمل درجة الدكتوراه في الإقتصاد الدولي ، وهو قد حرص على ان يضم في فريقه ثلة من الإقتصاديين المشهود لهم بالخبرة والكفاءة ، ولكن هل يستطيع ان يتحرر من عقدة الموقع والضغط الشعبي والرسمي ويتحرك بعيدا إلى تلك المساحات التي تصنع الفرق .
وهو قد ذكر في كتابه أنه لا يجب الإعتماد على القطاع الخاص وأرهاق كاهله بالضرائب وهذا لن يكون الحل ، ولا بد من التكاملية بين القطاعين وأن يشكل كل منهما سندا وداعما للاخر للخروج من الأزمة .
فهل يفلح في الإفلات من البيروقراطية وعقدة سيطرة وزارة المالية ، ويجعل الحلم حقيقة .
كلنا أمل بذلك .
إبراهيم ابو حويله ...