الأنباط -
بين استغلال معاناة غزة والاتهامات المبهمة للأجهزة الأمنية
الأنباط – خليل النظامي
مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في الأردن، تتزايد وتيرة الحملات الانتخابية للأحزاب المختلفة، إذ يسعى كل حزب إلى حشد أكبر عدد من المؤيدين لـ ضمان موقع قوي في البرلمان المقبل.
وفي خضم هذه الحملات المحمومة تبرز بعض الأحزاب "المؤدلجة" كـ قوة سياسية مؤثرة تسعى لاستثمار واستغلال الأحداث الإقليمية، لا سيما العدوان الصهيوني الأخير على غزة، بهدف تعزيز الشعبية في أوساط الناخبين والمواطنين الأردنيين، الأمر الذي أثار جدلا واسع حول الأساليب التي تتبعها هذه الأحزاب لتحقيق أهدافها السياسية.
وفي مواجهة قضية حساسة وعاطفية مثل العدوان "الإسرائيلي" على غزة، يبدو أن هذه الأحزاب قد تلجأ إلى استغلال مشاعر التضامن التي يشعر بها الأردنيون تجاه الشعب الفلسطيني، وأخذت حملاتهم الانتخابية بـ التركيز على شعارات تعكس دعمًا قويًا للمقاومة الفلسطينية وتنديدًا بالعدوان الصهيوني، الامر أثار تعاطفًا واسعًا بين قطاعات كبيرة من المواطنين خاصة عبر منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.
وبالنسبة للكثير من المواطنين، يمثل دعم المقاومة في غزة والقضية الفلسطينية جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية والدينية، وهي مشاعر تعرف هذه الأحزاب جيدًا كيف تستثمرها وتعكسها لصالحها.
لكن ما يثير القلق لدى بعض المراقبين هو أن هذا الدعم المعلن لغزة ليس دائمًا صادقًا أو نابعًا من رغبة حقيقية في تقديم العون، بل قد يكون أحيانًا مجرد ورقة انتخابية رابحة تستخدم لاستمالة توجهات الناخبين والمواطنين، فمن خلال تكثيف الخطابات حول قضية غزة في هذا التوقيت بالذات، تبرز بعض الأحزاب وكأنها توحي بأنها المدافع الأبرز عن حقوق الفلسطينيين، ما يعزز مكانتها بين الناخبين المتعاطفين مع القضية.
إلا أن هذه الاستراتيجية تفتح الباب أمام تساؤلات جوهرية حول صدق النوايا، فهل الهدف الحقيقي هو دعم غزة فعلاً، أم السعي فقط لكسب أصوات الناخبين؟
هذا التساؤل يتعزز عندما نرى غياب مبادرات حقيقية من هذه الأحزاب لدعم الفلسطينيين على أرض الواقع، في وقت إكتفى بعضها برفع الشعارات الرنانة دون أن يقدموا حلولًا ملموسة أو خطوات عملية لدعم أهلنا غزة الصمود.
وبينما يُستغل العدوان على غزة كمادة رئيسية في الحملات الانتخابية، يظهر توجه آخر مثير للجدل في حملة أحد الأحزاب، يتمثل بـ اتهام مبطن وغير معلن للأجهزة الأمنية بـ التدخل في سير عملية ونتائج الانتخابات البرلمانية، في حين أن هذا الحزب لا يقدم هذه الاتهامات بشكل صريح أو مباشر، إلا أن تلميحاته الخفية ورسائله الغامضة تترك انطباعًا عند الجماهير أن الأجهزة الأمنية قد تتلاعب بنتائج الانتخابات أو تؤثر على عملية سيرها.
هذا النوع من الاتهامات المبهمة يعتبر أسلوبًا خطيرًا يمكن أن يقوض الثقة في المؤسسات الوطنية، خاصة إذا لم يُدعَّم بأدلة قاطعة، فعندما يلمح أحد المرشحين لأحد الأحزاب إلى وجود تدخلات أمنية في الانتخابات، فإنه يضع نفسه في موقع الضحية المظلومة، محاولاً إثارة شكوك الناخبين حول نزاهة العملية الانتخابية، علاوة على انه ومن دون تقديم أية دلائل أو براهين، فإن هذه الاتهامات لا تخدم إلا إفتعال حالة من الغموض والارتياب بين صفوف المواطنين.
ويرى محللون سياسيون أن هذه الاستراتيجية تأتي في إطار محاولة الحزب ؛ تبرير أي نتائج غير مرضية قد يواجهها في الانتخابات، فـ في حال فشل الحزب في تحقيق المكاسب التي يأملها، فإنه يستطيع بسهولة اللجوء إلى هذه التلميحات لتبرير خسارته، معززًا بذلك فكرة أن الانتخابات كانت غير نزيهة وأن هناك من تدخل فيها لضمان هزيمته.
لكن هذا الأسلوب يترك تأثيرات سلبية أعمق على المشهد السياسي والاجتماعي في الأردن، تحديدا في مسيرة منظومة التحديث السياسي، فهو يغذي الشكوك والتوترات بين المواطنين ويضعف من ثقتهم في العملية الديمقراطية، وإثارة مثل هذه الاتهامات دون دليل قد يؤدي إلى نتائج عكسية، على السبيل المثال تراجع الإيمان بالديمقراطية وتعزيز الشعور أن التغيير الحقيقي غير ممكن.
ومن هنا، يطرح السؤال الأساسي: هل تستحق بعض الأحزاب "المؤدلجة"، أن يكون أحدها في مقدمة المشهد السياسي الأردني إذا كان يعتمد على مثل هذه الأساليب؟
نعتقد أن المواطن الأردني بحاجة إلى قيادات سياسية صادقة وشفافة، تقدم برامج واضحة لحل المشكلات التي يواجهها الأردن، بدلاً من التلاعب بالمشاعر واللعب على أوتار الخوف والارتياب.
وفي النهاية، الانتخابات البرلمانية ؛ فرصة للشعب الأردني لتحديد مصيره واختيار ممثليه في البرلمان، ولتحقيق هذا الهدف، يحتاج الناخبون إلى أجواء انتخابية نزيهة وصادقة، بعيدة عن الاستغلال السياسي للأحداث الإقليمية أو الاتهامات غير المسؤولة التي قد تعمق الانقسامات في المجتمع.