الأنباط -
في واقعنا المعاصر نجد أن الكثيرين ممن لم يحسنوا التعامل مع هذه النخب و الكبار ، إنتهت فكرتهم إلى زوال ، وخذ ما حدث مع الثورة في مصر وعدم قدرتها على التعامل مع النخب الموجودة سلبا أو إيجابا ، في المقابل تجد أن الفكرة في ماليزيا مثلا وفي تركيا أستطاعت الصمود لأنها نجحت في التعامل مع النخب الموجودة ، نعم هناك تفاوت في حجم الرضا والقبول ولكن هناك نجاحات مشهودة للجميع .
قد تظن بأن الدولة يديريها شخص واحد ، ولكن الحقيقة مختلفة تماما ، وسأعود لكم بالتاريخ إلى تلك القصة التي نقلها البخاري عن هرقل وما حدث للنخبة حين جمعهم وأغلق عليهم الأبواب وناقشهم في أمر رسالة رسول الله صل الله عليه وسلم ، قد تكون أنت من يريد التغيير ولكن لن تستطيع أن تحمل كل من حولك على أمر معين ، ولا بد من التهيئة والتغيير لتقبل الحق والقبول به والعمل معه ، والإستعداد على نشره وإرساء قواعده بين البشر ، وربما لأجل ذلك إحتاجت الدعوات دائما إلى بئية حاضنة حتى تنضج ويصبح هناك عدد من الذين يحملونها ، وهذا العدد قابل لتحمل العقبات والمصاعب في نشر الفكرة الجديدة ، وهذا ما حدث في المرحلة المكية والتي امتدت إلى قرابة ثلاثة عشر عاما تقريبا .
أريد أن أذهب بكم بعيدا مع هذا المصطلح ، وللدور الرئيسي الذي يقوم به هؤلاء في الدول عبر تاريخ الإنسانية، ولذلك عندما نرفع الصوت بأن التغيير لا بد أن يصل الإنسان المجرد قبل أن يقوم في الأرض ، نعم الإنسان المجرد ليكون للتأثير الحضاري واقع وبعد ملموس .
وهنا تظهر تلك العبارة الخالدة التي ألقاها المسيح عليه السلام في روع حواريه بأنكم ملح هذه الأمة ، نعم ملح وليس مطلوبا من الملح الكثرة ولكن بدونه تفقد الفكرة قوتها ومعناها والعبرة من وجودها ، فهم أولئك الذين يحملون أعبائها ويقومون بتعديل المزاج العام والفكر العام حتى تصبح للفكرة الجديدة حاضنة تساهم في نشرها والحفاظ على جذوتها ، والا ذهبت مع الريح .
وليس هذا بعيدا عن التاريخ ، فكم فكرة ذهبت واختفت بل حتى تم طمس اصحابها واسمائهم من التاريخ وما قصة أخناتون ببعيدة ، ذلك الفرعون الذي أراد أن يوحد آلهة المصريين في إله واحد ، وحملهم على فكرة لم تكن لها حاضنة ولا هي مقبولة في نخبهم ، وكيف يتقبلونها وهم تقوم حياتهم ومكاسبهم ومنافعهم وتاريخهم ومستقبلهم على فكرة التعدد والمعابد والمناسبات ، وغيره الكثير الذي يبتزون به الشعوب وقاداتها ويأكلون أموالهم بالباطل ، ولذلك ما أن مات هذا الفرعون حتى تم هدم مدينته وإحراق معابده وحتى نزع ختمه الملكي من كل المظاهر المحيطة بالدولة ، حتى ينطمس ذكره ويذهب رسمه ولا يبقى له أثر بين العامة .
وهنا أقف مع موقف الإسلام من الهندوسية والبوذية ، وهو الذي حكم الهند وما حولها لمئات السنين ، نعم لم يكن هناك إجبار من الإسلام لتبني الفكرة ، من المناطق التي وقعت تحت سيطرته ، وإلا لأجبرت هذه المناطق على التطهير الديني كما فعلت أسبانيا وغيرها من الدول الأوروبية مع الإسلام واليهودية ، ولكن هناك نقطة يجب التركيز عليها ، وهي أن تأثير العلماء على النخب في هذه المناطق ظل تأثيرا ضعيفا حال دون تأثرهم بالفكرة وتبنيها ، وهنا نحتاج إلى بحث وتحليل أكبر لمعرفة الأسباب التي أدت إلى هذه الحالة .
ونقول بأن أي فكرة تحمل تغييرا حتى تنجح في مجتمع ما لا بد لها من حاضنة قوية سمه إن شئت ركنا شديدا ، ولا بد من القدرة على التعامل مع النخب الموجودة تغييرا أو تحييدا أو إبتعادا كما فعل رسولنا، فما فعله الرسول صل الله عليه وسلم حين لم يستطع ان يقيم دولة في مكة بسبب موقف النخبة فيها ، لجأ إلى المدينة بحثا عن مكان يستطيع فيه إقامة الفكرة وتكون النخبة هناك محتضنة لهذه الفكرة .
وهنا عندما
ما أردت توضيحه هنا أن المجتمع فيه تيارات مختلفة وهذه التيارات لها محصلة قوى ، ولن تستيطع أي فكرة جديدة إصلاحية او تغييرية أو تطويرية مهما حملت من آمال وأفق بمستقبل جميل أن تنجح إذا لم تأخذ في حسابها موقف هذه النخب .
إبراهيم أبو حويله ...