الأنباط -
إمبراطورية الديمقراطية على وشك الإنهيار
رصاصة ستنقله الى البيت الأبيض، وصورة جعلته بطلا مناضلا
الأنباط – خليل النظامي
بعد سنوات من استخدام العنف لنشر التجربة الديموقراطية الأميركية في العالم، بدءًا من فرض العقوبات الاقتصادية ووصولاً إلى التدخلات العسكرية على الكثير من دول العالم، أصبح العنف سلاحاً للدفاع عن الديمقراطية التي يراها الأميركيين كمبدأ يجب الدفاع عنه، وبات واضحا لـ الجميع أن غطاء العنف الذي ارتبط بالديمقراطية التي طالما نادت بها أمريكا، بات يحمل تحولات خطيرة، تتجاوز محاولة فرض نموذج بلاد العم سام، على المحيط العالمي بالقوة، نحو الداخل الأمريكي نفسه.
وبـ الرغم من هيمنة واشنطن والغرب الأوروبي، فإن استخدام الترويج للديمقراطية كـ وسيلة لتعزيز زعامة واشنطن لم يخل من تحديات متعددة، علاوة على المنهد الديمقراطي الذي تفرضه واشنطن وكان أحد أهم الأسباب التي تم استخدامها لتبرير حرب العراق وأفغانستان في السنوات الأولى من الألفية الأولى، وفرض العقوبات الاقتصادية والانخراط في مستنقعات الحروب، تحول حاليا إلى أداة لإثارة الفوضى الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية في مشهد يجسد مقول "وإنقلب السحر على الساحر".
وهذا ما يؤكد أن العنف الذي يعتبر الوسيلة التي استخدمها الغرب بقيادة واشنطن، للترويج لمبادئهم ونشرها، بات فلسفة متأصلة حاليا في عمل واشنطن نفسها، ففي ظل معارك العظام بين أطراف المعادلة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، تجلت بشكل واضح هذه الفلسفة في محاولة اغتيال المرشح الجمهوري لـ الرئاسة الأمريكية "دونالد ترامب".
وما يؤكد هذه الفلسفة الإستطلاع الذي أجرته "رويترز" مؤخرا، وكشفت نتائجه عن أن الأمريكيين باتوا يخشون تصاعد وتيرة العنف السياسي؛ إذ يقول اثنان من كل ثلاثة مشاركين في الاستطلاع، إنهما يشعران بقلق من احتمال حدوث أعمال عنف بعد الانتخابات الرئاسية.
ردود النخب السياسية والاقتصادية الأمريكية
ومن أبرز الردود التي عقبت عملية إغتيال "ترامب" تعليق الرئيس الحالي لـ الولايات المتحدة الأمريكية "جو بايدن"، الذي علق وقال : "يجب على الجميع إدانة إطلاق النار الذي وقع خلال تجمع ترامب الانتخابي"، وأضاف: "لا مكان لهذا النوع من العنف في أمريكا، يجب علينا أن نتّحد، بصفتنا أمة، لإدانته".
في وقت علق الرئيس الأمريكي الأسبق "باراك أوباما" إنه، "لا مكان على الإطلاق للعنف السياسي في ديمقراطيّتنا"، وكتب على منصّة "إكس" تويتر سابقا، "يجب أن نشعر جميعاً بارتياح لأنّ الرئيس السابق ترامب لم يُصب بجروح بالغة وأن نستغل هذه اللحظة لتجديد التزامنا بإظهار التحضُّر والاحترام في السياسة".
وذهب وزير الخارجية الأمريكي "بلينكن" واصفا أنه يشعر بالصدمة والحزن بسبب إطلاق النار في تجمع للرئيس السابق ترامب، إلاّ أنه يشعر بالارتياح أنه بخير، مؤكداً أنه لا مكان للعنف السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية، فيما أكد وزير العدل الأمريكي "ميريك غارلاند" أنه لا تسامح مع العنف من أي نوع، معتبراً أن ما حدث هو هجوم على ديمقراطيتنا، في وقت قال وزير الدفاع الأمريكي "لويد أوستن" : إن الوزارة بأكملها تدين العنف الذي لا مكان له على الإطلاق في ديمقراطيتنا، وأضاف: "هذه ليست الطريقة التي نحل بها خلافاتنا في أمريكا، ويجب ألا تكون كذلك أبداً.
نظرية المؤامرة تشغل الرأي العام الأمريكي
وعقب محاولة الاغتيال الفاشلة بدأت زوبعة لم تهدأ في الرأي العام الأمريكي تأطرت بـ نظريات المؤامرة على، وأشار البعض إلى أن الاغتيال كان بأمر من الرئيس جو بايدن أو ”الدولة العميقة"، في وقت ذهب آخرون أنها ”حيلة" من ترامب لإظهار نفسه كـ بطل والمنقذ لـ أمريكيا، موضحين أن هناك نوع من الرصاص المطاطي تستخدمه الأجهزة الأمنية في التدريب، واستخدمت في الحدث لأن ترامب استطاع الوقوف خلال دقائق.
وفي ظل وجود نظريات المؤامرة في أذهان العديد من مستخدمي شبكة منصات التواصل الاجتماعي، وصف بعض المتابعين الحادثة بأنها مسرحية دبرها ترامب لزيادة فرصه في الفوز بالانتخابات الأمريكية المقررة في نوفمبر، مشيرين الى وابل الرصاص الذي تعرض له ترامب الذي لم يصبه منه سوى رصاصة واحدة في أذنه وأصابته بجروح، وخرج بعدها رافعًا يديه وسط تصفيق الجمهور ومؤيديه.
ومن الجدير بـ الذكر هنا أن مفهوم (الدولة العميقة) فرضية منتشرة في الولايات المتحدة في أوساط أصحاب نظريات المؤامرة من اليمين المتطرف، ولا سيما حركة "كيو إينون" التي تؤكد وجود دولة سرية موازية تحرك خيوط العالم بما يخدم مصالح مجموعات خاصة كبرى.
تخوف من السياسة الأمريكية في الداخل والخارج
محاولة الاغتيال الفاشلة لـ "ترامب" زادت من احتمالية عودته إلى البيت الأبيض، خاصة أنه حصد في استطلاعات الرأي الأخيرة على نسبة 69% على خلفية محاولة اغتياله في بنسلفانيا، وتوقعت وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية أن تزيد حادثة إطلاق النار عليه شعبيته خلال الانتخابات المرتقبة، ما أدى الى تخوف البعض في الداخل والخارج من هوسه المفرط بسياساته وجمعه للأموال وصفقاته وحصاده المليارات سواء لصالح الاقتصاد الأمريكي أو لمشاريعه الخاصة.
في السياق، ذهب مراقبون الى أن عودة ترامب إلى السلطة ستؤدي إلى إرباك السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة في ظل التغيرات التي شهدها العالم والمنطقة في حقبة "بايدن"، واتفقوا أن عودته إلى السلطة في عام سيكون لها تأثير كبير على منطقة الشرق الأوسط، لا سيما منطقة الخليج، متساءلين عن نظرة دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما المملكة العربية السعودية.
وفي تعليقها عقب واقعة إغتيال ترامب الفاشلة، حثت روسيا الولايات المتحدة التصدي لسياسات ما وصفتها بـ التحريض على الكراهية، ضد المعارضين السياسيين والدول والشعوب، مُعتبرة أن هذه السياسات ستنعكس على الولايات المتحدة، وأضافت: "هؤلاء الذين يصوّتون في الكونغرس الأمريكي لتزويد أوكرانيا بالأسلحة، من الأفضل استخدام هذه الأموال لتمويل الشرطة الأمريكية وغيرها من الأجهزة لضمان تطبيق القانون والنظام في البلاد"، وفقا لـ تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الروسية.
ولادة العاطفة من وعاء الكراهية
يعتقد رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة نورث إيسترن "لكوستاس باناجوبولوس"، أن ترامب عم على تأجيج العنف السياسي والانقسام بهدف تحقيق مكاسب سياسية، بخطابه التحريضي، ولفت الى أن الحادث يمكن أن يولد تعاطفًا مع ترامب الذي يعتبر أكثر عرضة للعنف السياسي والتطرف من أي شخص آخر على حد قوله.
وفي الوقت ذاته، أشار محللون أمريكيون إلى أن شعبية ترامب يمكن أن تتعزز بسبب عملية الاغتيال الفاشلة، مسندين برأيهم على أن محاولات الاغتيال التي تستهدف السياسيين تعمل على زيادة الجذب الشعبي لهم، مستشهدين بـ حادثة اغتيال رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان الذي أصيب بطلق ناري في ساقه في إحدى التجمعات السياسية الشعبية، ما جعل الجماهير تنصبه كـ مناضل في سبيل محاربة الفساد والإرهاب بشكل معنوي أكثر مما كان عليه في السابق.
وهذا ما ذهب إليه مراقبين ومهتمون بالمشهد السياسي الأمريكي، وأكدوا أن محاولة الاغتيال سيجني منها ترامب منافع عدة، وتدعم رايته أن الولايات المتحدة ضلت طريقها من جهة، وكسب التعاطف معه كـ بطل يقف ضد فساد ما يسميه ترامب بـ فساد الدولة العميقة من جهة أخرى، في وقت أشارات التقديرات الى أن تاريخ محاولة الاغتيال كان حاسمًا في تحديد التصويت النهائي في الانتخابات، لا سيما أنه أثر بشكل واضح على قناعة الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد بين ترامب وبايدن.
وهذا ما يتضح جليا من خلال دعم رجال أعمال أمريكيين لـ "ترامب": في أول رد فعل على الحادثة، حيث قال الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا" الملياردير "إيلون ماسك"، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي: "أؤيد الرئيس السابق ترامب بشكل كامل وأتمنى الشفاء العاجل له"، وتمنى الرئيس التنفيذي لشركة "آبل" الأمريكية، "تيم كوك" الشفاء العاجل للرئيس "ترامب"، وأدان العنف بشدة، فيما وصف الرئيس التنفيذي لشركة "أمازون" الأمريكية، "آندي جاسي"، الحادث بـ"البغيض"، ووصف الرئيس التنفيذي لشركة "إنتل" الليلة التي جرى فيها الحادث بـالصعبة للغاية على الشعب الأمريكي.