د. أيوب أبودية
يُعتبر التغير المناخي من أبرز
التحديات التي تواجه كوكب الأرض في العصر الحديث، باستثناء الحروب المعاصرة وشرورها
المرعبة طبعا. إذ تؤثر التغيرات المناخية على العديد من الكائنات الحية، ومن بين
هذه الكائنات الحية الحشرات التي تلعب دورا حيويا في توازن النظم البيئية، من حيث
توفيرها الغذاء للطيور والزواحف وبعض أنواع الثديات وتلقيح الأزهار وغيرها. إذ
يؤدي الانقراض المتزايد للحشرات بسبب التغير المناخي إلى آثار سلبية على التنوع
الحيوي والنظم البيئية التي تعتمد على هذه الحشرات، فكيف السبيل إلى مواجهة ذلك.
تتأثر الحشرات بالتغيرات المناخية
بعدة طرق، منها: ارتفاع درجات الحرارة الذي يعاني منه العالم بمجمله اليوم، إذ
تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على عملية التكاثر ونمو الحشرات. فقد أظهرت الدراسات
أن الحشرات التي تعيش في مناطق محددة تعتمد على درجات حرارة معينة للعيش والتكاثر
اعتادت عليها تاريخيا وتأقلمت معها تطوريا. ومع ارتفاع درجات الحرارة، يتعطل هذا
التوازن الطبيعي، مما يؤدي إلى انخفاض في أعداد الحشرات، أو حتى انقراضها في بعض
المناطق، وبالتالي تفقد الكثير من الطيور والفصائل الأخرى غذاءها فتهاجر إلى مناطق
أخرى.
وتؤثر التغيرات المناخية في نمط هطول
الأمطار وشدتها على البيئات التي تعيش فيها الحشرات. وكلنا رأينا هذا التغير مؤخرا
من حيث شدة هطول الأمطار في بلادنا وفي بعض دول الخليج. وهذا يؤثر سلبا على أعداد
الحشرات، والكثير منها يعد نافعا للأنسان من حيث تلقيح الأزهار وتوفير محاصيل
وفيرة. وبالمقابل، فإن الفترات الطويلة التي قد تعاني منها بعض المناطق من الجفاف
تؤدي إلى نقص في أزهار النباتات التي تعتمد عليها الحشرات للتغذية والتكاثر.
فالتغير المناخي يسبب تغيرات في
الغطاء النباتي، وخاصة في ما يتعلق بانخفاض المساحة الخضراء، وبالتالي تراجع في
مساحة موائل الحشرات. كذلك قد تجد بعض الحشرات صعوبة في التكيف مع هذه التغيرات
السريعة، مثل الجفاف الطويل الأمد، أو الهطول المستمر أو الشديد والعنيف للأمطار،
مما يؤدي إلى تراجع في أعدادها، وبالتالي اضطراب التنوع الحيوي في بيئتها.
واذا أخذنا النحل مثلا، فيُعد النحل
من أهم الملقحات الطبيعية، وقد أظهرت الدراسات أن ارتفاع درجات الحرارة يؤثر سلبا
في قدرته على الطيران وفي كفاءته في التلقيح. كما أن التغيرات في نمط هطول الأمطار
تؤثر على توفر أزهار النباتات التي يتغذى عليها النحل. كذلك تعاني الفراشات أيضًا من ارتفاع
درجات الحرارة، حيث تؤثر على دورة حياتها وتقلل من فرص التكاثر واكتمال نموها. كما
أن تغير المناخ يؤثر على أعداد أوراق النباتات التي تتغذى عليها يرقات الفراشات.
وتعتبر الخنافس من أهم الكائنات التي
تساهم في تحلل المواد العضوية وإعادة تدوير العناصر الغذائية في التربة. فان
التغيرات في درجات الحرارة والرطوبة تؤثر على نشاطها وقدرتها على أداء دورها في
النظام البيئي في ما يتعلق بتزويد التربة بالعناصر الغذائية، الأمر الذي يؤدي إلى
اختلال بنية السلاسل الغذائية وتفكك ارتباطات المتينة. فلا يمكن أن نغفل عن أهمية
الحشرات من حيث انها تلعب دورًا مهما في تحلل المواد العضوية وإعادة تدوير العناصر
الغذائية في التربة. وبناء عليه فإن انقراضها يؤدي إلى تراجع في خصوبة
التربة وجودتها، مما يؤثر على نمو النباتات، وبالتالي الغلال التي يحصدها البشر.
وتُعتبر الحشرات غذاءً رئيسيا للعديد
من الحيوانات مثل الطيور والزواحف. وبالتالي فان انقراض الحشرات يؤدي إلى نقص في
مصادر الغذاء لهذه الحيوانات، مما يهدد بقاءها ويؤثر على السلاسل الغذائية. كذلك فإن النباتات تعتمد على الحشرات
في عملية تلقيح أزهارها. لذلك فإن انقراض الحشرات الملقحة للازهار مثل النحل
والفراشات يؤدي إلى تراجع إنتاجية النباتات والغذاء، وبالتالي نقص في التنوع
النباتي، الأمر الذي يؤدي إلى تهديد الآمن الغذائي للبشر.
فلمواجهة مشكلة انقراض الحشرات بفعل
التغير المناخي، يمكن اتباع مجموعة من الحلول والتوصيات، مثل الحفاظ على الموائل الطبيعية
وحمايتها من التدمير بفعل الجفاف وارتفاع درجة الحرارة والأمطار الغزيرة، وذلك لضمان وجود بيئات
مناسبة للحشرات كي تنمو وتتكاثر. مع مراعاة تشجيع زراعة النباتات المحلية
التي تعتمد عليها الحشرات للتغذية والتكاثر والتي يمكنها أن تتأقلم مع التغيرات
المناخية القاسية.
ولا بد أن يتزامن ذلك مع التقليل من
استخدام المبيدات الحشرية التي تقتل الحشرات بشكل عشوائي، وتشجيع الزراعة العضوية
والمستدامة. فضلا عن نشر الوعي بين الناس حول حول
خطورة المبيدات وأهمية الحشرات ودورها في النظام البيئي وضرورة حمايتها. وهذا ما نسعى
إليه اليوم عبر هذه المقالة.
ختاما، نقول إن التغير المناخي يمثل
تهديدًا كبيرًا للحشرات والنظم البيئية التي تعتمد عليها. اذ يؤثر انقراض الحشرات
بشكل مباشر على التنوع الحيوي والسلاسل الغذائية وجودة التربة وإنتاج الغذاء عبر
المحاصيل الزراعية. فمن الضروري اتخاذ خطوات فعالة لحماية الحشرات وموائلها الطبيعية
لضمان استدامة النظم البيئية والمحافظة على التنوع الحيوي. إذ إن حماية الحشرات
ليست فقط مسؤولية بيئية بل هي ضرورة قومية وعالمية للحفاظ على توازن كوكبنا واستقرار
الأمن الغذائي وصحة النظم البيئية التي نعتمد عليها جميعا لعيش حياة كريمة، وكي
نحفظها ذخرا مستداما للأجيال القادمة.