الأنباط - السياسة فن المصالح والواقع ...
السياسة هي فن المصلحة والواقع ، عندما تفرض عليك الظروف الإنسحاب من فيتنام تنسحب ، حتى عندما لا تستطيع تحقيق نصر عليك أن تنسحب ، بغض النظر عن النتائج ، وهكذا حسب ما يرى هذا الثعلب كيسنجر ، تستطيع أن تترك المستنقع قبل أن تغرق فيه .
لم تكن قوة الكيان يوما هي العائق في التعامل معه ، ولكن دائما هناك كلب أكبر يتولى حراسته ، في البداية كانت بريطانيا هي التي فرضت التقسيم ، وقامت بتوزيع الجوائز والمكاسب والمقاعد بناء على من يوافق يأخذ ، ومن لا يوافق لا يأخذ ، ولذلك أخذ البعض وحرم البعض في تلك التقسيمة التي قادتها بريطانيا من خلال وعد بلفور والذي كان معاد للسامية ، ولكن في هذه الخطوة وتحقيقا لمصلحة بريطانيا في إيجاد قوة متقدمة في العالم الإسلامي تمنع إتحاده ، وتخلق حالة من الفرقة والخلاف فيه ، وفي التخلص من هذه الفئة المكروهة محليا وهي اليه ود .
يعتبر هنري كسنجر ثعلب السياسة الأمريكية ، ولعب على قضية توازنات القوى بين الدول ، يجب أن تكون مستعدا للأسوء وتتوقعه ، وتتعامل مع منهج المصلحة والواقع ، وما يفرضه عليك تقبله ، لا صديق هناك ولن يكون ، مصلحة دولتك هي العليا ، وصديق اليوم من الممكن أن يكون عدو الغد .
قال كسينجر (لن تستطيع دولة التفاوض مع سبع دول دفعة واحدة )،
وهكذا وقعت الدول العربية ، دولة خلف دولة في فخ التفاوض مع اليه ود .
هؤلاء الذين بعد أن أنقذهم الله من فرعون وأغرقه أمام أعينهم ، سألوا نبيهم أن يجعل لهم إله يعبدونه غير الذي أنقذهم ، وعليك ان تحاول التفاوض معهم دولة دولة ، وما ستحققه من نتائج هو ورقة ورقة لا شيء على أرض الواقع ، ولذلك وصلت معهم الولايات المتحدة أكبر حليف لهم إذا لم تنفذ لن تأخذ المساعدات .
أما الكلام والوعود ومجلس الأمن فهو كما قالت تاتشر لنا نحن العرب .
يجب أن تأخذ الممكن ونطالب بعد ذلك بالممكن حتى نصل إلى الذي لم نتفق عليه ، لا يجب أن تتوقف هنا ، وإلا ستبقى الأمور هنا على هذا الحال بدأت المفاوضات ، هذه كانت سياسة كسينجر التي أقنع بها الدول العربية ، حتى تحاول ان تحصل على حقوقك أو جزء منها ونحن ما زلنا نفاوض إلى اليوم ، منذ تلك الإتفاقية ، او منذ أوسلو إلى اليوم .
نعم لن تستطيع تجاهل الصين إلى الأبد ، لا بد من إقامة علاقات معها والإعتراف بها ، حتى وإن كنت غير راض عن الواقع . وهذا ما دفع الولايات المتحدة لتغيير سياستها مع الصين وزياراتها وتحسين العلاقات معها ، فهذا الرجل أو بالإحرى هذه الدولة لا تؤمن بالمبادىء ، ولكن تؤمن بالواقع الذي تفرضه المصالح في ستينيات القرن الماضي، انت من يفرض على الآخر ما تريد لا ما يريد .
لا بد من أن تستعد للحرب مع الصين ، ولكن يجب أن تتجنبها ما إستطعت إلى ذلك سبيلا ، وهذا كان المنهج الذي نصح به كسنجر السياسة الإمريكية في التعامل به مع الصين .
عندما تعادى الصين ستلجأ حتما إلى روسيا ، وعندها سيكون تحالفهما أكثر قوة وخطرا عليك ، وهذا ما لا نريده ، نعم صحيح أيها الثعلب ، ولذلك صمدت وصمدت سياستك ، وما زالت الصين حتى عندما بلغت المائة عام تستقبلك وتحترمك ، فقد جنبتها المواجهة وحققت لها المصلحة ، وهذه هي الطريقة التي يلعبون بها ، هذه هي استراتيجيتهم .
وهذا كله نراه على أرض الواقع ، هذه السياسة القائمة على هذا النوع من المصالح التي أصبحت مقدسة والتحالفات التي تسعى إلى فرض السيطرة على الواقع ، والتحكم بكل شيء .
وفي يوم عندما كانت الدول العربية متحدة إستطاعت أن تأخذ قرارا أحدث الرعب للولايات المتحدة وحلفائها ، فقد خفضت انتاج النفط بنسبة خمسة بالمائة شهريا ، وعاقبت الولايات المتحدة والدول المتحالفة معها في حرب أكتوبر ، وطالبت الكيان بالعودة إلى حدود سبعة وستين ، وسعت بريطانيا إلى التنصل من التحالف مع الولايات المتحدة وقطع الإسلحة عن الكيان خوفا من الموقف العربي ، عندما كان هناك موقف عربي .
لقد إستطاعت السياسة الإمريكية النجاح في شق الصف العربي وخلق الصدع ، وسعي كل دولة من الدول العربية للبحث عن مصالحها والتفاوض وحدها ، والخوف من الأخر والتنازلات التي قد يقدمها .
فعندما كانوا يتفاوضون معا ، كانت هناك قوة ، وكان من الممكن أن تحصل هذه الدول على بعض حقوقها ، ولكن مع هذه الطريق ضاعت القوة وضاعت الحقوق ، وحصل الكيان على ما يريد .
لم يكن اليه ود في يوم محل ترحيب في أوروبا فقد كانوا محل كراهية وبغض ، وكانت أخلاقهم دائما قائمة على مصالحهم ولا صديق لهم إلا تلك المصالح ، فقد كانوا إقليات تتحكم بهم السلطات الفاسدة والمال والعصابات ، وتتولى كل الأعمال القذرة من الدعارة إلى التجارة إلى الربا ، إلى عصابات تحمي هذه الفئة أو تلك الفئة ، ولذلك لم يتكاثروا إلا بعد أن دخلوا ضمن روسيا ، وشعروا بالأمن في ظل القيصر ، حيث تم التعامل معهم على أنهم مواطنون ، وبذلك تضاعفت أعددهم إضعافا في هذه الفترة وأصبحوا مشكلة حقيقية .
سمحت لهم بريطانيا في الإستيطان وحمتهم بالقوة والسلاح ومنحتهم السلاح ، وحاربة أهل فلسطين ومنعتهم من الحصول على السلاح ، ولاحقتهم بالسجن والنفي والقتل ومنع التجمع ، وشيطنة مقاومة المحتل والثورات ضد البريطانيين وضد التجمعات اليهودية التي كانت تُفرض بالقوة على هذا البلد .
هذا كان الواقع فهل تغير ...
إبراهيم أبو حويله ...