الأنباط - د. عبد الولي الشميري
البعدُ مَزَّقني والحزنُ والأَرَقُ
أُسَامِرُ النَّجْمَ حَتَّى لَفَّهُ الغَسَقُ
وَبَيْنَ جَنْبَيَّ نَبْلٌ بَاتَ يَخْتَرِقُ
(مَرَّتْ لَيَالٍ وَقَلْبِي حَائِرٌ قَلِقَ
كَالْفُلْكِ فِي النَّهْرِ هَاجَ النَّوْءُ مَجْراهُ)
كم ذا أَنُوحُ عَلى الأَطْلالِ أوْ رَشَإِ
وما أَبَحْتُ بِسِرٍّ قِيلَ عن مَلإِ
وَبِتُّ كَالطَّيْرِ إذْ أمْسَى بِلا كَلإِ
(أو كَالمُسافِرِ فِي قَفْرٍ عَلَى ظَمَإٍ
أَضْنَى المَسِيرُ مَطَاياهُ وَأَضْنَاهُ)
قَدْ يُدْرِكُ المَرْءُ شَأْنًا لَيْسَ يُعْجِبُهُ
ومَأْرَبي دُونَهُ الغاياتُ تَحْجُبُهُ
إنِّي وَلَوْ حَنْظَلًا كأسِي سَأشْرَبُهُ
(لا أُدْرِكُ الأَمْرَ أهْوَاهُ وَأطْلُبُهُ
وأَبْلُغُ الأَمْرَ نَفْسِي لَيْسَ تَهْوَاهُ)
رُوحِي تُطِلُّ عَلَيْكُمْ فَوْقَ أُفْقِكُمُ
وَقَدْ تَمُرُّ سُحَيْرًا فِي دِيارِكُمُ
وَكَمْ تُقَبِّلُ أوْ تَهفو لِوَصلِكُمُ
(عَجِبْتُ مِنْ قَائِلٍ إنِّي نَسِيتُكُمُ
مَنْ كَانَ فِي القَلبِ كَيْفَ القَلبُ يَنْسَاهُ)
مَوانِعُ الوَصْلِ غَنَّتْها حَمَائِمُكُمْ
ورَايَةُ البَيْنِ يُعْلِيهَا عَوَاذِلُكُمْ
وَرَغْمَ ذَاكَ فَقَلْبِي مِنْكُمُ وَلَكُمْ
(إنْ كُنْتُ بِالأمسِ لم أَهْبِطْ مَرَابِعَكُمْ
فَالطَّيْرُ يَقْعُدُ مَوثُوقًا جَناحاهُ)
يَقضِي الحَياةَ عَلَى هَمٍّ وَفِي كَدَرِ
ولا يُغَنِّي عَلَى غُصْنٍ ولا وَتَرِ
ولا يَطِيبُ حَدِيثُ اللَّيْلِ فِي سَمَرِي
(فلا يُقَرِّبُهُ شَوْقٌ إلى نَهَرٍ
وَلَيْسَ تَنْقُلُهُ في الرَّوْضِ عَيْنَاهُ)
يَرَى الخَمِيلةَ والعُشَّ الرَّكِيكَ وَطَنْ
والدَّمْعُ فِي مُقْلَتَيْهِ كالسَّحابِ هَتَنْ
هُوَ الأسِيرُ فلا فَدْوى وَلَيْسَ ثَمَنْ
(وَلَيْسَ يَشْكو ولا يَبْكِي مَخَافَةَ أَنْ
تُؤذِي مَسامِعَ مَنْ يَهْوَى شَكاوَاهُ)