الأنباط -
تعرض لجنة السينما في مؤسسة عبد الحميد شومان، يوم غد الثلاثاء الموافق 20 حزيران، الفيلم البنغالي "فتاة الريكشو"، للمخرج اميتاب ريزا شودري، وعلى فترتين في تمام الساعة السادسة والنصف والثامنة مساء، وذلك في مقر المؤسسة بجبل عمان.
ويحكي الفيلم الذي تم انتاجه في العام (2022)، قصة فتاة حالمة مسكونة بالفن والجمال، وقوية بمواجهة الظروف في نفس الوقت، تعيش مغامرتها ما بين قرية معزولة عن العالم ومدينة تضج بالحياة، والقاسم المشترك ما بين المكانين، هو الاقصاء والتهميش للمرأة، وهي الضحية الاولى للتمايز الطبقي، الذي يعمق الهوة للفقراء سواء في القرية أو المدينة.
"نعيمة" الفتاة الموهوبة بالرسم، والتي تركت المدرسة من الصف الخامس، تجد نفسها أمام مسؤولية العائلة، بعد أن مرض والدها ولم يستطع استكمال عمله على "الريكشو" بعد أن حضر صاحب العربة واستعادها بكل قسوة، لأن والد نعيمة تأخر عن تسديد قسطها الشهري، كما أن والدتها تركت عملها كخادمة، لتعتني بزوجها المريض.
تقرر "نعيمة" السفر إلى المدينة "دكا" لتوفير الدواء لوالدها، وبمساعدة الشاب "بارك" تصل إلى المدينة، ويوفر لها "بارك" عملا كخادمة في أحد بيوت الأثرياء، وهناك تتكشف لها أنماط حياة لم تكن تعرفها في قريتها. وبعد مدة تقرر الهرب من البيت، لأنهم يعاملونها بأقصى أشكال الاستعباد، حيث النوم في مخزن لا يتسع لنومها، وحبسها في البيت طوال غيابهم.
تبحث "نعيمة" عن ذاتها في المدينة الكبيرة، وتسير بلا هدى، وفجأة تجد أمامها مجموعة من الناس يسيرون في مظاهرة ويهتفون، وتمشي معهم، وفي نهاية المطاف تعرف من خلال مجموعة مشردين شاركت معهم في المظاهرة أن هناك مكافأة بدل المسيرة،- في ادانة للأنماط السياسية السائدة، وتبيت مع هذه المجموعة في الشارع، لتصحو صباحا وتجدهم قد تركوها وغادروا.
الشيء الوحيد الذي عرفته "نعيمة" في حياتها هو الرسم، وأيضا لديها الخبرة في قيادة عربة "الريشكو" بحكم عمل والدها، وهذه العربات تجوب شوارع "دكا" بالمئات، فهي وسيلة النقل الأكثر شيوعا، ولكن من تقاليد المدينة عدم السماح للفتيات بقيادة العربة، لأنها تحتاج إلى جهد كبير، وسط الحر والساعات الطويلة من العمل.
وبروحها القوية، تغير ملامحها، وتقص شعرها، وتتنكر، وترتدي ملابس الشباب، وتجد فرصتها بقيادة العربة، عند شخص لديه الكثير من العربات، بالإضافة إلى "هنجر" كبير ينام فيه الذين يعملون عنده، وهكذا تواصل رحلة التحدي الجديدة، ورغم عدم معرفتها بالمدينة، إلا أنها استطاعت أن تتعرف على كل الشوارع والأماكن، واستخدمت موهبتها بالرسم، لتزين عربيها، والتي أصبحت مميزة برسوماتها الجميلة، الأمر الذي يلفت نظر أحد المحامين الذين يعملون في شركة للأفلام، ويطلب منها المشاركة بعربتها ضمن المشاهد التي سيصورها نجمها الأول، الفنان "سيام أحمد"، وهي لا تكاد تصدق أنها تشارك وجها لوجه مع نجمها، الذي يمنحها أيضا مبلغا كبيرا من المال مقابل مشاركتها.
في مدينة لا تهدأ، لا يمكن أن يستمر فرح "نعيمة" بنجاحها، حيث يحاول زميلها "بلبل" أن يقاسمها المبلغ الذي حصلت عليه من مشاركتها في المشهد، وعندما ترفض، يقوم بضربها وإسقاطها أرضا، وتمزيق قميصها، لينكشف السر الذي تخفيه، بأنها فتاة متنكرة في ثياب شاب. وبالطبع يتم طردها.
وهكذا تسير في الشوارع مرة أخرى، وتتعرف على "مريم" التي تشرف على مراّب لتصليح العربات، حيث تسمح لها بالبقاء لتنام عندها، لكن "نعيمة" بدل أن تنام، تقوم بممارسة هوايتها في الرسم، وفي الصباح تثني عليها مريم، وتقول لها "لا شيء يدعو للفخر بان تكوني رجلا"، في إشارة إلى التسلط الذكوري على المرأة، وتخبرها بأنها من خلال رسوماتها، يمكنها تحقيق ما تريد، وأن تشتري الدواء لوالدها، ليرتسم فرح الدنيا في عيون" نعيمة"، وتفتح لها بابا تجني منه المال من خلال الرسومات، وتستطيع أن تجمع ما يكفي لترسله إلى والدها.
لكن الظروف القاسية لا تسمح لها بمواصلة فرحها، وعندما تذهب إلى "بارك" لتعطيه المبلغ لإيصاله إلى أهلها، يخبرها بان والدها قد توفي، ويصعقها الخبر، فتهرب راكضة وسط المدينة الخانقة، وتعود إلى المرسم، وهي تتأمل احدى لوحاتها، ونداء داخلي يدعوها لأن تتابع حلمها.
يقدم المخرج بعد ذلك مشهدا متخيلا رائعا نراها فيه وهي أمام لوحة لها معلقة على جدار معرض فني، تتخيل فيها رحلة بالألوان تم تنفيذها بطريقة الرسوم المتحركة"، حيث المدينة بألوان زاهية، وهي تجر عربتها، وتطير فوق المدينة المزينة بالألوان والجمال، هذا الجمال الذي يعكس روحها وحلمها، وقدرتها على التحدي، وتحقيق ذاتها، ويظهر معها والدها وهي تقود العربة الطائرة، وينتهي الفيلم، وهي تقف مع أطفال، في لقطة لها معانيها.
الناقد السينمائي رسمي محاسنة أوضح أن الفيلم لم يجنح نحو الميلودراما رغم طبيعة الحكاية، واقتصد حتى في المنعطفات التي مرت بها "نعيمة"، دون استرسال، إنما اكتفى بتعابير وجهها، حيث أدت دورا حملت فيه الفيلم، وكانت مقنعة في أداء التحولات المختلفة في حياتها، كما أن الفيلم تضمن مشاهد ولقطات مبدعة، كما في مشهد التقاءها مع نجمها "سيام أحمد"، وأيضا تلك اللقطات المنوعة للمدينة التي تضج بالمتناقضات، وشوارعها المليئة بالعربات، وأسلاك الكهرباء المتشابكة، والتدقيق في تفاصيل المكان، والعناية بالأزياء التي جاءت منسجمة مع طبيعة الشخصيات ومع البيئة التي تنتمي اليها، كما تم توظيف الموسيقى الحالمة وهي مستغرقة في رسم اللوحات، أو الموسيقى المبهجة في لحظات الترقب والأمل والفرح، وكذلك الموسيقى المرافقة في حالات الانكسار.
وبين أن فيلم "فتاة الريكشو" المصنوع بأسلوب يلامس الوثائقية، يبدو وكأنه يروي قصة فتاة، لكنه في العمق، عن الفقر والجهل والقهر والمرض، وغياب السلطة والأحزاب السياسية الحقيقية، التي احتلت مكانها سلطة الأغنياء، والتي كرّست التمييز الطبقي، وعن كيف أن الموهبة والإرادة قادرتان على مواجهة كل هذا، وأن الإصلاح يبدأ من الشخص الذي يحمل جينات الرفض والنزوع نحو التغيير.
يشار إلى أن فيلم"فتاة الريكشو" مستوحى من رواية مشهورة للكاتب ميتالي بيركنز وقد حصل على العديد من الجوائز.