مليونين درهم من حاكم الشارقة دعما لإتحاد الكتاب مندوبا عن الملك وولي العهد.... العيسوي يعزي عشيرتي الصرايرة والبطوش سأنتخب رغم ما قاله المعايطه فصل مبرمج للتيار الكهربائي عن مناطق في الشمال غدا 50 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى مراكز الخدمات الحكومية تعلن عن ساعات العمل ليوم الاقتراع الأونروا: وصلنا إلى 160 ألف طفل للتطعيم ضد الشلل جنوب قطاع غزة "العفو الدولية" تدعو للتحقيق بجرائم حرب إسرائيلية بقطاع غزة إجلاء 420 ألف شخص في مقاطعة هاينان بجنوبي الصين مع اقتراب الإعصار "ياغي" النفط يرتفع بشكل طفيف ويقترب من أكبر خسارة أسبوعية في عام المناضل قدورة فارس من "منتدى العصرية": فظائع سجون الإحتلال لم تشهد مثلها السجون على امتداد التاريخ بدء المرحلة الثانية لصرف المستحقات والرديات لطلبة المنح والقروض الداخلية والدة معالي العين جمال الصرايرة في ذمة الله وفيات الجمعة 6/9/2024 أجواء معتدلة الحرارة في أغلب المناطق حتى الاثنين الزرقاء: إنطلاق فعاليات مهرجان مسرح العرائس العربي الثاني يحرق طفلتيه ويلوذ بالفرار سرقة 200 هاتف يومياً في بريطانيا.. لسبب غريب 4 أسئلة قبل تغيير الحمية الغذائية النشامى يكتفي بالتعادل مع الكويت في انطلاق مشوار المونديال
محليات

الأمير الحسن يكتب: رمضان واستحضار الهوية الروحية للأمة

الأمير الحسن يكتب رمضان واستحضار الهوية الروحية للأمة
الأنباط -
في هذه الأيام المباركة تتفتح أمامنا آفاق واسعة لإعادة اكتشاف ثرائنا الروحي الذي نستقي من معينه الصافي معاني التقوى والإخلاص في العمل والعبادة والإقبال على كل ما يحبه الله تعالى، وهي فرصة سانحة للترقي في درجات الصيام والانتقال من الشعور بقيمة النعمة الى معرفة المنعم وشكره، ومن صوم الجوارح والرغبات الى صوم الضمائر والقلوب ومن طهارة الجسد الى طهارة النفس والروح. لا تتوقف أهمية رمضان على كونه ركنا أساسيا من أركان الدين وإنما تتجلى كذلك باعتباره مكونا أساسيا للهوية الروحية للأمة التي تشكل وحدة شعورية بين المؤمنين الذين يجتمعون في شهر رمضان في حركتهم الحياتية اليومية في مشهد عملي يعزز إمكانية الوئام بين شعوب الأمة وتعاونها على الخير والفضيلة.

وفي هذا السياق، يقول المستشرق الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب: «تأثيرُ دِين محمَّد في النفوس أعظمُ من تأثير أي دِين آخر، ولا تزال العروقُ المختلفة التي اتَّخذت القرآن مُرشدًا لها تعمل بأحكامه كما كانت تفعل منذُ ثلاثة عشر قرنًا».

يستشعر المؤمنون في مدرسة الصيام معاني فقرهم وعبوديتهم للخالق تعالى فيزدادون رحمة وتضامنا وتكافلا. وفي هذا الشهر المبارك لا بد لنا من إعادة التفكير بالمضامين الإنسانية والأخلاقية للعبادة، فالعبادة في الإسلام تشتمل على طاعة الخالق وعمل كل ما يحبه الله تعالى من الأعمال والأقوال والأفكار. فالاجتهاد في العلم والعمل ورعاية الأسرة وفلاحة الارض والحفاظ على البيئة كل ذلك يمثل مظاهر للعبادة تقربنا من محبة الله ورضاه.

تتعدى معاني الصوم في ديننا الحنيف مفهوم الزهد الفردي القائم على الامتناع عن الرغبات والشهوات لتصل بالأمة إلى بناء الإرادة الجمعية واستنهاض الهمم والاجتماع على الطاعات وعمل الخيرات. وهذا يقتضي الانتقال بمفهومنا للصوم من ممارسة دينية شعائرية إلى فعل اجتماعي وإنساني تنموي، ومن تغيير العادات الغذائية الاستهلاكية إلى تغيير الأنماط السلوكية الخاطئة في مجتمعاتنا المعاصرة. تشكل المناسبات الدينية جزءا أساسيا من الهوية الثقافية للشعوب، فهي تعكس قوة حضور الدين في النسيج الاجتماعي بمظاهره وتنوعاته المختلفة. وتؤكد الحركة الدورية للمناسبات الدينية الحاجة الى إعلاء قيمة التعبير الجمعي عن الرموز والمعاني المتضمنة في تلك المناسبات، وهذا يعكس قوة الشعور الديني لدى الشعوب وحاجتها العميقة للدين كرباط وثيق يجمع الماضي بالحاضر والاحفاد بالأسلاف. لا يكاد يخلو دين من عبادة الصيام بأشكالها وأنواعها المختلفة وقد ورد ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (البقرة:183). إن الشرائع السابقة جميعها اشتملت على عبادة الصيام وأن تقوى الله هي الغاية الكبرى التي يسعى إليها المؤمنون جميعا.

للعبادات أثر كبير في ضبط السلوك الإنساني واستثمار المعاني الجمالية للانتظام الاجتماعي، فالقيام بالواجبات الدينية في زمن واحد والالتزام بأوقات تناول الطعام والامتناع عنه في وقت واحد، كل ذلك يؤسس لمجتمع قادر على الانتظام والتكافل والتعاون.

وفي هذا المعنى يقول المستشرق الفرنسي جاك ريسلر، في كتابه «الحضارة العربية»: «على امتداد شهر رمضان، من الشفق إلى الغسق، يتوجب على المؤمن الامتناع عن تناول أي مأكل ومشرب، يمكن اعتبار إماتة الجسد القاسية هذه فعل رحمة واسترحام، نوعًا من التكفير عن الأخطاء، وبالتالي فعلاً تَشَفُّعِيًّا يتقرب به الصائم من ربه، ولكنه يرمي أيضًا إلى توطيد الضبط الاجتماعي وجعل المؤمنين يشعرون بتماسكهم وتكافلهم».

تتكامل أركان الاسلام لتشكل منظومة متسقة ذات غاية واحدة، وهنا تبرز العلاقة بين الصيام والزكاة، فطهارة النفس والارتقاء بها فوق رغباتها الحسية يُخرج الانسان من ضيق الفردانية إلى سعة النحنوية ومن شُحِّ النفس إلى كرم البذل والعطاء.

من أعظم آثار الصيام أنه يقوي إرادة الممانعة في نفوس المؤمنين ويعينهم على مدافعة الظلم وتحقيق العدالة. فالصيام يعزز الثقة بالذات وينمي قدراتها الايجابية تجاه المجتمع من خلال مفهوم التدافع الذي أسس له القرآن الكريم، فلا تقوم العلاقة بينهم على أساس «الآخر هو الجحيم» وإنما من خلال «الغيرية الفعّالة» التي تبحث عن الكلمة السواء واستباق الخيرات. نحن أحوج ما نكون إلى المصالحة الواعية مع تاريخنا و«تراثنا الحضاري» والعمل على عصامية البحث والتفكير عوضا عن ادعاء معصومية الذات والفعل، وهذا يعني ضرورة إحياء الفكر الموضوعي الناقد المبني على الحقيقة المتسامية فوق العواطف والانفعالات الذاتية.

إن التأمل في تنوع مجتمعاتنا الإسلامية يجعلنا نكتشف عناصر الثراء والتكامل التي تجمع بين أعمدة الأمة التي امتزج فيها التنوع القومي بالتنوع العرقي. ولا يمكن لنا مواجهة دواعي الضعف والفرقة في مجتمعاتنا إلا من خلال البناء على القيم التي نقلها المبدعون الأوائل كقبول الآخر واحترام الاختلاف والاعتزاز بموروثنا التاريخي ليس باعتباره تقليدا للآباء والأجداد وإنما باعتباره فعلا حضاريا يعبّر عن هويتنا الروحية والإنسانية.

إن المشاعر الروحية العميقة التي تسود الشعوب العربية والإسلامية هي مفتاحٌ ذو فاعلية عجيبة في نشر روح المحبة والتسامح والتعاون بين البلدان الإسلامية، ورمضان بذلك يشكّل فرصة سنوية ثمينة يجب استثمارها لتحقيق الحلم بالتضامن والتعاون والتكافل وإلغاء المسافات أو اختصارها بين الشعوب الإسلامية. يذكرنا شهر القرآن بواجبنا نحو اللغة العربية لسان القرآن ومنبع الفصاحة والبيان. فاللسان العربي الذي نزل به القرآن يجري على كلّ لسان من البلدان العربية إلى تركيا وإيران وأذربيجان وباكستان وماليزيا وغيرها.

إنه شعورٌ واحدٌ عابرٌ للحدود بالسكينة والطمأنينة الروحيّة. يدعونا إلى تحييد آثار شوكة الانغلاق الإقليمي والعرقي، حيث تلهج ألسنة الملايين والمليارات من المسلمين بالضراعة إلى ربّ العالمين ويلتقون جميعاً على النظر إلى الإله الواحد في وقت واحد طلباً لرحماته والتماساً لبركاته.
© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير